تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٠٢
وأبدل الهمزة ألفا. كما قالوا في المرأة والكمأة: المراة والكماة، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين، وهو عند البصريين شاذ لا يقاس عليه. وقرأ أبو جعفر: شطه، بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء. ورويت عن شيبة، ونافع، والجحدري، وعن الجحدري أيضا: شطوه بإسكان الطاء وواو بعدها. وقال أبو الفتح: هي لغة أو بدل من الهمزة، ولا يكون الشط إلا في البر والشعير، وهذه كلها لغات. وقال صاحب اللوامح: شطأ الزرع وأشطأ، إذا أخرج فراخه، وهو في الحنطة والشعير وغيرهما. وقرأ ابن ذكوان: فأزره ثلاثيا؛ وباقي السبعة: فآزره، على وزن أفعله. وقرئ: فازره، بتشديد الزاي. وقول مجاهد وغيره: آزره فاعله خطأ، لأنه لم يسمع في مضارعه إلا يؤزر، على وزن يكرم؛ والضمير المنصوب في آزره عائد على الزرع، لأن الزرع أول ما يطلع رقيق الأصل، فإذا خرجت فراخه غلظ أصله وتقوى، وكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) كانوا أقلة ضعفاء، فلما كثروا وتقووا قاتلوا المشركين. وقال الحسن: آزره: قواه وشد أزره. وقال السدي: صار مثل الأصل في الطول. * (فاستغلظ) *: صار من الرقة إلى الغلظ. * (فاستوى) *: أي تم نباته. * (على سوقه) *: جمع ساق، كناية عن أصوله. وقرأ ابن كثير: على سؤقه بالهمز. قيل: وهي لغة ضعيفة يهمزون الواو الذي قبلها ضمة، ومنه قول الشاعر:
* أحب المؤقدين إلي مؤسي * (يعجب الزراع) *: جملة في موضع الحال؛ وإذا أعجب الزراع، فهو أحرى أن يعجب غيرهم لأنه لا عيب فيه، إذ قد أعجب العارفين بعيوب الزرع، ولو كان معيبا لم يعجبهم، وهنا تم المثل. و * (ليغيظ) *: متعلق بمحذوف يدل عليه الكلام قبله تقديره: جعلهم الله بهذه الصفة * (ليغيظ بهم الكفار) *. وقال الزمخشري: فإن قلت: ليغيظ بهم الكفار تعليل لماذا؟ قلت: لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة، ويجوز أن يعلل به. * (وعد الله الذين ءامنوا) *: لأن الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة مع ما يعزهم به في الدنيا غاظهم ذلك. ومعنى: * (منهم) *: للبيان، كقوله تعالى: * (فاجتنبوا الرجس من الاوثان) *. وقال ابن عطية: وقوله منهم، لبيان الجنس وليست للتبعيض، لأنه وعد مدح الجميع. وقال ابن جرير: منهم يعني: من الشطء الذي أخرجه الزرع، وهم الداخلون في الإسلام بعد الزرع إلى يوم القيامة، فأعاد الضمير على معنى الشطء لا على لفظة. والأجر العظيم: الجنة. وذكر عند مالك بن أنس رجل ينتقص الصحابة، فقرأ مالك هذه الآية وقال: من أصبح بين الناس في قلبه غيظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فقد أصابته هذه الآية، والله الموفق.
*
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»