تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٨٤
(سقط: في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) إخراج أضغانهم، وهو حقودها: إبرازها للرسول والمؤمنين؛ والظاهر أنها من رؤية البصر لعطف العرفان عليه، وهو معرفة القلب. واتصل الضمير في أريناكهم، وهو الأفصح، وإن كان يجوز الانفصال. وفي هاتين الجملتين تقريب لشهرتهم، لكنه لم يعينهم بأسمائهم، إبقاء عليهم وعلى قراباتهم، واكتفاء منهم بما يتظاهرون به من اتباع الشرع، وإن أبطنوا خلافه. * (ولتعرفنهم فى لحن القول) *: كانوا يصطلحون فيما بينهم من ألفاظ يخاطبون بها الرسول، مما ظاهره حسن ويعنون به القبيح، وكانوا أيضا يصدر منهم الكلام يشعر بالاتباع، وهم بخلاف ذلك، كقولهم عند النصر: * (إنا كنا معكم) *، وغير ذلك، كقولهم: * (لئن رجعنا إلى المدينة) *، وقوله: * (إن بيوتنا عورة) *. والظاهر الإراءة والمعرفة بالسيماء، وجود المعرفة في المستقبل بلحن القول. واللام في: * (ولتعرفنهم) *، لام جواب القسم المحذوف. * (والله يعلم أعمالكم) *: خطاب عام يشمل المؤمن والكافر؛ وقيل: خطاب للمؤمنين فقط.
وقرأ الجمهور: * (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم) *، ونبلو: بالنون والواو؛ وأبو بكر: بالياء فيهن وأويس، ونبلو: بإسكان الواو وبالنون؛ والأعمش: بإسكانها وبالياء، وذلك على القطع، إعلاما بأن ابتلاءه دائم. ومعنى: * (حتى نعلم المجاهدين) *: أي نعلمهم مجاهدين قد خرج جهادهم إلى الوجود، وبأن مسكهم الذي يتعلق به ثوابهم. * (إن الذين كفروا) *: ناس من بني إسرائيل، وتبين هداهم: معرفتهم بالرسول من التوراة، أو منافقون كأن الإيمان قد داخل قلوبهم ثم نافقوا؛ والمطعمون: سفرة بدر؛ وتبين الهدى: وجوده عند الداعي إليه، أو مشاعة في كل كافر؛ وتبين الهدى من حيث كان في نفسه، أقوال. * (وسيحبط أعمالهم) *: أي التي كانوا يرجون بها انتفاع، وأعمالهم التي كانوا يكيدون بها الرسول ودين الإسلام.
* (ذلك بأن الذين كفروا) *: قيل نزلت في بني إسرائيل، أسلموا وقالوا لرسول الله: قد آثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا، كأنهم منوا بذلك، فنزلت فيهم هذه الآية. وقوله: * (يمنون عليك أن أسلموا) *، فعلى هذا يكون: * (ولا تبطلوا أعمالكم) * بالمن بالإسلام. وعن ابن عباس: بالرياء والسمعة، وعنه: بالشرك والنفاق؛ وعن حذيفة: بالكبائر، وقيل: بالعجب، فإنه يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب. وعن مقاتل: بعصيانكم للرسول. وقيل: أعمالكم: صدقاتكم بالمن والأذى. * (وماتوا وهم كفار) *: عام في الموجب لانتفاء الغفران، وهو وفاتهم على الكفر. وقيل: هم أهل القليب. وقيل: نزلت بسبب عدي بن حاتم، رضي الله عنه، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن أبيه قال: وكانت له أفعال بر، فما حاله؟ فقال: (في النار)، فبكى عدي وولى، فدعاه فقال له: (أبي وأبوك وأبو إبراهيم خليل الرحمن في النار)، فنزلت.
* (فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم) *: وهو الصلح. وقرأ الجمهور: وتدعوا، مضارع دعا؛ والسلمي: بتشديد الدال، أي تفتروا؛ والجمهور: إلى السلم، بفتح السين؛ والحسن، وأبو رجاء، والأعمش، وعيسى، وطلحة، وحمزة، وأبو بكر: بكسرها. وتقدم الكلام على السلام في البقرة في قوله: * (ادخلوا في السلم كافة) * وقال الزمخشري: وقرئ: ولا تدعوا من ادعى القوم، وتداعوا إذا ادعوا، نحو قولك: ارتموا الصيد وتراموا. انتهى. والتلاوة بغير لا، وكان يجب أن يأتي بلفظ التلاوة فيقول: وقرئ: وتدعوا معطوف على تهنوا، فهو مجزوم، ويجوز أن يكون مجزوما بإضمار إن. * (وأنتم الاعلون) *: أي الأعليون، وهذه الجملة حالية؛ وكذا: * (والله معكم) *. ويجوز أن يكونا
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»