بحوافرها الحجارة فيتطاير منها النار لصك بعض الحجارة بعضا. ويقال: قدح فأورى، وقدح فأصلد. وتسمى تلك النار التي تقدحها الحوافر من الخيل أو الإبل: نار الحباحب. قال الشاعر:
* تقد السلوقي المضاعف نسجة * وتوقد بالصفاح نار الحباحب * وقيل: * (فالموريات قدحا) * مجاز، أو استعارة في الخيل تشعل الحرب، قاله قتادة. وقال تعالى: * (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله) *. ويقال: حمي الوطيس إذا اشتد الحرب. وقال ابن عباس ومجاهد وزيد بن أسلم: الموريات: الجماعة التي تمكر في الحرب، والعرب تقوله إذا أرادت المكر بالرجل: والله لا يكون ذلك، ولأورين لك. وعن ابن عباس أيضا: التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها. وعنه أيضا: جماعة الغزاة تكثر النار إرهابا. وقال عكرمة: ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به، وتظهر من الحجج والدلائل، وإظهار الحق وإبطال الباطل. * (فالمغيرات صبحا) *: أي تغير على العدو في الصبح، ومن قال هي الإبل، قال العرب تقول: أغار إذا عدى جريا، أي من مزدلفة إلى منى، أو في بدر؛ وفي هذا دليل على أن هذه الأوصاف لذات واحدة، لعطفها بالفاء التي تقتضي التعقيب. والظاهر أنها الخيل التي يجاهد عليها العدو من الكفار، ولا يستدل على أنها الإبل بوقعة بدر، وإن لم يكن فيها إلا فرسان، لأنه لم يذكر أن سبب نزول هذه السورة هو وقعة بدر، ثم بعد ذلك لا يكاد يوجد أن الإبل جوهد عليها في سبيل الله، بل المعلوم أنه لا يجاهد في سبيل الله تعالى إلا على الخيل في شرق البلاد وغربها.
* (فأثرن) *: معطوف على اسم الفاعل الذي هو صلة أل، لأنه في معنى الفعل، إذ تقديره: فاللاتي عدون فأغرن فأثرن. وقال الزمخشري: معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، انتهى. وتقول أصحابنا: هو معطوف على الاسم، لأنه في معنى الفعل. وقرأ الجمهور: * (فأثرن) *، * (فوسطن) *، بتخفيف الثاء والسين؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة: بشدهما؛ وعلي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى: بشد السين. وقال الزمخشري: وقرأ أبو حيوة: فأثرن بالتشديد، بمعنى: فأظهرن به غبارا، لأن التأثير فيه معنى الإظهار، أو قلب ثورن إلى وثرن، وقلب الواو همزة. وقرئ: فوسطن بالتشديد للتعدية، والباء مزيدة للتوكيد، كقوله: * (فأتوا به) *، وهي مبالغة في وسطن، انتهى. أما قوله: أو قلب، فتمحل بارد. وأما أن التشديد للتعدية، فقد نقلوا أن وسط مخففا ومثقلا بمعنى واحد، وأنهما لغتان، والضمير في به عائد في الأول على الصبح، أي هيجن في ذلك الوقت غبارا، وفي به الثاني على الصبح. قيل: أو على النقع، أي وسطن النقع الجمع، فيكون وسطه بمعنى توسطه. وقال علي وعبد الله: * (فوسطن به جمعا) *: أي الإبل، وجمعا اسم للمزدلفة، وليس بجمع من الناس. وقال بشر بن أبي حازم:
* فوسطن جمعهم وأفلت حاجب * تحت العجاجة في الغبار الأقتم * وقيل: الضمير في به معا يعود على العدو الدال عليه * (والعاديات) * أيضا. وقيل: يعود على المكان الذي يقتضيه المعنى، وإن لم يجر له ذكر، لدلالة والعاديات وما بعدها عليه. وقيل: المراد بالنقع هنا الصياح، والظاهر أن المقسم به هو جنس العاديات، وليست أل فيه للعهد، والمقسم عليه: * (إن الإنسان لربه لكنود) *. وفي الحديث: (الكنود يأكل وحده ويمنع رفده ويضرب عبده). وقال ابن عباس والحسن: هو الجحود لنعمة الله تعالى. وعن الحسن أيضا: هو اللائم لربه، يعد السيئات وينسى الحسنات. وقال الفضيل: هو الذي تنسيه سيئة واحدة حسنات كثيرة،