للحق والتولي عن الدين الصحيح، كما نقول نحن.
* (ألم يعلم بأن الله يرى) *، ويطلع على أحواله من هداة وضلالة، فيجازيه على حسب ذلك، وهدا وعيد، انتهى. وقال ابن عطية: الضمير في * (إن كان على الهدى) * عائد على المصلي، وقاله الفراء وغيره. قال الفراء: المعنى * (أرأيت الذى ينهى * عبدا إذا صلى) *، وهو على الهدى وأمر بالتقوى، والناهي مكذب متول عن الذكر، أي فما أعجب هذا ألم يعلم أبو جهل بأن الله تعالى يراه ويعلم فعله؟ فهذا تقرير وتوبيخ، انتهى. وقال: من جعل الضمير في * (إن كان) * عائدا على المصلي، إنما ضم إلى فعل الصلاة الأمر بالتقوى، لأن أبا جهل كان يشق عليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أمر أن: الصلاة والدعاء إلى الله تعالى، ولأنه كان صلى الله عليه وسلم) لا يوجد إلا في أمرين: إصلاح نفسه بفعل الصلاة، وإصلاح غيره بالأمر بالتقوى. وقال ابن عطية: * (ألم يعلم بأن الله يرى) *: إكمال التوبيخ والوعيد بحسب التوفيقات الثلاثة يصلح مع كل واحد منها، يجاء بها في نسق. ثم جاء بالوعيد الكافي بجميعها اختصارا واقتضابا، ومع كل تقرير تكلمة مقدرة تتسع العبارات فيها، وألم يعلم دال عليها مغن.
وقال الزمخشري: فإن قلت: ما متعلق * (أرأيت) *؟ قلت: * (الذى ينهى) * مع الجملة الشرطية، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت: فأين جواب الشرط؟ قلت: هو محذوف تقديره: * (إن كان على الهدى * أو أمر بالتقوى) *، * (ألم يعلم بأن الله يرى) *، وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت: فكيف صح أن يكون * (ألم يعلم) * جوابا للشرط؟ قلت: كما صح في قولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت: فما * (أرأيت) * الثانية وتوسطها بين مفعولي * (أرأيت) *؟ قلت: هي زائدة مكررة للتوكيد، انتهى.
وقد تكلمنا على أحكام * (أرأيت) * بمعنى أخبرني في غير موضع منها التي في سورة الأنعام، وأشبعنا الكلام عليها في شرح التسهيل. وما قرره الزمخشري هنا ليس بجار على ما قررناه، فمن ذلك أنه ادعى أن جملة الشرط في موضع المفعول الواحد، والموصول هو الآخر، وعندنا أن المفعول الثاني لا يكون إلا جملة استفهامية، كقوله: * (أفرأيت الذى تولى * وأعطى قليلا وأكدى * علم الغيب فهو) *، * (أفرأيت الذى كفر بئاياتنا وقال لاوتين مالا وولدا * أطلع الغيب) *، * (أفرءيتم ما تمنون * تخلقونه أم) *، وهو كثير في القرآن، فتخرج هذه الآية على ذلك القانون، ويجعل مفعول * (أرأيت) * الأولى هو الموصول، وجاء بعده * (أرأيت) *، وهي تطلب مفعولين، وأرأيت الثانية كذلك؛ فمفعول * (أرأيت) * الثانية والثالثة محذوف يعود على * (الذى ينهى) * فيهما، أو على * (عبدا) * في الثانية، وعلى * (الذى ينهى) * في الثالثة على الاختلاف السابق في عود الضمير، والجملة الاستفهامية توالى عليها ثلاثة طوالب، فنقول: حذف المفعول الثاني لأرأيت، وهو جملة الاستفهام الدال عليه الاستفهام المتأخر لدلالته عليه. حذف مفعول أرأيت الأخير لدلالة مفعول أرأيت الأولى عليه. وحذفا معا لأرأيت الثانية لدلالة الأول على مفعولها الأول، ولدلالة الآخر لأرأيت الثالثة على مفعولها الآخر. وهؤلاء الطوالب ليس طلبها على طريق التنازع، لأن الجمل لا يصح إضمارها، وإنما ذلك من باب الحذف في غير التنازع. وأما تجويز الزمخشري وقوع جملة الاستفهام جوابا للشرط بغير فاء، فلا أعلم أحدا أجازه، بل نصوا على وجوب الفاء في كل ما اقتضى طلبا بوجه ما، ولا يجوز حذفها إلا إن كان في ضرورة شعر.
* (كلا) *: ردع لأبي جهل ومن في طبقته عن نهي عباد الله عن عبادة الله. * (لئن لم ينته) * عن ما هو فيه، وعيد شديد * (لنسفعا) *: أي لنأخذن، * (بالناصية) *: وعبر بها عن جميع الشخص، أي سحبا إلى النار لقوله: * (فيؤخذ بالنواصى والاقدام) *، واكتفى بتعريف العهد عن الإضافة، إذ علم أنها ناصية الناهي. وقرأ الجمهور: بالنون الخفيفة، وكتبت بالألف باعتبار الوقف، إذ الوقف عليها بإبدالها ألفا، وكثر ذلك حتى صارت رويا، فكتبت ألفا كقوله:
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا وقال آخر:
بحسبه الجاهل ما لم يعلما