تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٩٧
بواوين على وزن فوعلت، والمعنى: جعل لها وقت منتظر فحان وجاء، أو بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة، والواو في هذا كله أصل والهمزة بدل. قال الزمخشري: ومعنى توقيت الرسل: تبيين وقتها الذي يحضرون فيه للشهادة على أممهم، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله عليه وتقديره: إذا كان كذا وكذا وقع ما توعدون. * (لاي يوم أجلت) *: تعظيم لذلك اليوم، وتعجيب لما يقع فيه من الهول والشدة. والتأجيل من الأجل، أي ليوم عظيم أخرت، * (ليوم الفصل) *: أي بين الخلائق. * (ويل) *: تقدم الكلام فيه في أول ثاني حزب من سورة البقرة، يومئذ: يوم إذ طمست النجوم وكان ما بعدها. وقرأ الجمهور: * (نهلك الاولين) * بضم النون، وقتادة: بفتحها. قال الزمخشري: من هلكه بمعنى أهلكه. قال العجاج:
ومهمه هالك من تعرجا وخرج بعضهم هالك من تعرجا على أن هالكا هو من اللازم، ومن موصول، فاستدل به على أن الصفة المشبهة باسم الفاعل قد يكون معمولها موصولا. وقرأ الجمهور: * (نتبعهم) * بضم العين على الاستئناف، وهو وعد لأهل مكة. ويقوي الاستئناف قراءة عبد الله: ثم سنتبعهم، بسين الاستقبال؛ والأعرج والعباس عن أبي عمرو: بإسكانها؛ فاحتمل أن يكون معطوفا على * (نهلك) *، واحتمل أن يكون سكن تخفيفا، كما سكن * (وما يشعركم) *، فهو استئناف. فعلى الاستئناف يكون الأولين الأمم التي تقدمت قريشا أجمعا، ويكون الآخرين من تأخر من قريش وغيرهم. وعلى التشريك يكون الأولين قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ومن كان معهم، والآخرين قوم فرعون ومن تأخر وقرب من مدة رسول الله صلى الله عليه وسلم). والإهلاك هنا إهلاك العذاب والنكال، ولذلك جاء * (كذلك نفعل بالمجرمين) *، فأتى بالصفة المقتضية لإهلاك العذاب وهي الإجرام.
ولما ذكر إفناء الأولين والآخرين، ذكر ووقف على أصل الخلقة التي يقتضي النظر فيها تجويز البعث، * (من ماء مهين) *: أي ضعيف هو مني الرجل والمرأة، * (فى قرار مكين) *: وهو الرحم، * (إلى قدر معلوم) *: أي عند الله تعالى، وهو وقت الولادة. وقرأ علي بن أبي طالب: فقدرنا بشد الدال من التقدير، كما قال: * (من نطفة خلقه فقدره) *؛ وباقي السبعة: بخفها من القدرة؟ وانتصب * (أحياء وأمواتا) * بفعل يدل عليه ما قبله، أي يكفت أحياء على ظهرها، وأمواتا في بطنها. واستدل بهذا من قال: إن النباش يقطع، لأن بطن الأرض حرز للكفن، فإذا نبش وأخذ منه فهو سارق. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى: نكفتكم أحياء وأمواتا، فينتصبا على الحال من الضمير لأنه قد علم أنها كفات الإنس. انتهى. و * (رواسى) *: جبالا ثابتات، * (شامخات) *: مرتفعات، ومنه شمخ بأنفه: ارتفع، شبه المعنى بالجرم. * (وأسقيناكم) *: جعلناه سقيا لمزراعكم ومنافعكم.
* (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغنى من اللهب * إنها ترمى بشرر كالقصر * كأنه * أضل أولئك هم الغافلون * ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمئه سيجزون ما كانوا يعملون * وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون * والذين كذبوا بئاياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملى لهم إن كيدى متين * أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين * أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والارض وما خلق الله من شىء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون) *. يقال للمكذبين: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) *: أي من العذاب. * (انطلقوا إلى ظل) *: أمر، قراءة الجمهور تكرارا أو بيان للمنطلق إليه. وقرأ رويس عن يعقوب: بفتح
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»