تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٩٥
* فأنت اليوم فوق الأرض حي * وأنت غدا تضمك في كفات * وقال أبو عبيدة: الكفات: الوعاء. شمخ: ارتفع. الشرر: ما تطاير من النار متبددا في كل جهة، واحده شرارة، ولغة تميم: شرار بالألف واحده شرارة. القصر: الدار الكبيرة المشيدة، والقصر: قطع من الخشب قدر الذراع وفوقه ودونه يستعد به للشتاء، واحده قصرة؛ والقصر، بفتح الصاد: أعناق الإبل والنخل والناس، واحده قصرة؛ وبكسر القاف وفتح الصاد جمع قصرة، كحلقة من الحديد وحلق، والله تعالى أعلم.
* (والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا * إن هاذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما * يدخل من يشاء فى رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما * والمرسلات عرفا * فالعاصفات عصفا * والناشرات نشرا * فالفارقات فرقا * فالملقيات ذكرا * عذرا أو نذرا * إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت * لاي يوم أجلت * ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل * ويل يومئذ للمكذبين) *.
هذه السورة مكية. وحكي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل أن فيها آية مدنية وهي: * (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) *. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدا، وهو أنه تعالى يرحم من يشاء ويعذب الظالمين، فهذا وعد منه صادق، فأقسم على وقوعه في هذه فقال: * (إنما توعدون لواقع) *. ولما كان المقسم به موصوفات قد حذفت وأقيمت صفاتها مقامها، وقع الخلاف في تعيين تلك الموصوفات. فقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو صالح ومقاتل والفراء: * (والمرسلات) *: الملائكة، أرسلت بالعرف ضد النكر وهو الوحي، فبالتعاقب على العباد طرفي النهار. وقال ابن عباس وجماعة: الأنبياء، ومعنى عرفا: إفضالا من الله تعالى على عباده، ومنه قول الشاعر:
لا يذهب العرف بين الله والناس وانتصابه على أنه مفعول له، أي أرسلن للإحسان والمعروف، أو متتابعة تشبيها بعرف الفرس في تتابع شعره وأعراف الخيل. وتقول العرب: الناس إلى فلان عرف واحد إذا توجهوا إليه متتابعين، وهم عليه كعرف الضبع إذا تألبوا عليه، وانتصابه على الحال. وقال ابن مسعود أيضا وابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة: الرياح. وقال الحسن: السحاب. وقرأ الجمهور: * (عرفا) * بسكون الراء، وعيسى: بضمها.
* (فالعاصفات) *، قال ابن مسعود: الشديدات الهبوب. وقيل: الملائكة تعصف بأرواح الكفار، أي تزعجها بشدة، أو تعصف في مضيها كما تعصف الرياح تحققا في امتثال أمره. وقيل: هي الآيات المهلكة، كالزلازل والصواعق والخسوف. * (والناشرات) *، قال السدي وأبو صالح ومقاتل: الملائكة تنشر صحف العباد بالأعمال. وقال الربيع: الملائكة تنشر الناس من قبورهم. وقال ابن مسعود والحسن ومجاهد وقتادة: الرياح تنشر رحمة الله ومطره. وقال أبو صالح: الأمطار تحيي الأرض بالنبات. وقال الضحاك: الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد، فعلى هذا تكون الناشرات على معنى النسب، أي ذات النشر. * (فالفارقات) *، قال ابن عباس وابن مسعود وأبو صالح ومجاهد والضحاك: الملائكة تفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام. وقال قتادة والحسن وابن كيسان: آيات القرآن فرقت بين الحلال والحرام. وقال مجاهد أيضا: الرياح تفرق بين السحاب فتبدده. وقيل: الرسل، حكاه الزجاج. وقيل: السحاب الماطر تشبيها بالناقة الفاروق، وهي الحامل التي تجزع حين تضع. وقيل: العقول تفرق بين الحق والباطل،
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»