تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٨٥
* وليلة ظلامها قد اعتكر * قطعتها والزمهرير ما زهر * القارورة: إناء رقيق صاف توضع فيه الأشربة، قيل: ويكون من الزجاج. الزنجبيل، قال الدينوري: نبت في أرض عمان عروق تسري وليس بشجر، يؤكل رطبا، وأجوده ما يحمل من بلاد الصين، كانت العرب تحبه لأنه يوجب لذعا في اللسان إذا مزج بالشراب فيتلذذون به، قال الشاعر:
* كأن جنبا من الزنجبيل بات * بفيها واريا مستورا * وقال المسيب بن علس:
وكأن طعم الزنجبيل به إذا ذقته وسلافة الخمر السلسبيل والسلسل والسلسال: ما كان من الشراب غاية في السلاسة، قاله الزجاج. وقال ابن الأعرابي: لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن. ثم ظرف مكان للبعد.
* (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا * إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا * فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا * وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا * ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا) *.
هذه السورة مكية في قول الجمهور. وقال مجاهد وقتادة: مدنية. وقال الحسن وعكرمة: مدنية إلا آية واحدة فإنها مكية وهي: * (ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا) *. وقيل: مدنية إلا من قوله: * (فاصبر لحكم ربك) * الخ، فإنه مكي، حكاه الماوردي. ومناسبتها لما قبلها ظاهرة جدا لا تحتاج إلى شرح.
* (هل) * حرف استفهام، فإن دخلت على الجملة الاسمية لم يمكن تأويله بقد، لأن قد من خواص الفعل، فإن دخلت على الفعل فالأكثر أن تأتي للاستفهام المحض. وقال ابن عباس وقتادة: هي هنا بمعنى قد. قيل: لأن الأصل أهل، فكأن الهمزة حذفت واجتزىء بها في الاستفهام، ويدل على ذلك قوله:
* سائل فوارس يربوع لحلتها * أهل رأونا بوادي النت ذي الأكم * فالمعنى: أقد أتى على التقدير والتقريب جميعا، أي أتى على الإنسان قبل زمان قريب حين من الدهر لم يكن كذا، فإنه يكون الجواب: أتى عليه ذلك وهو بالحال المذكور. وما تليت عند أبي بكر، وقيل: عند عمر رضي الله تعالى عنهما قال: ليتها تمت، أي ليت تلك الحالة تمت، وهي كونه شيئا غير مذكور ولم يخلق ولم يكلف. والإنسان هنا جنس بني
(٣٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 ... » »»