تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٨١
حقيقة. وقيل: هو استفهام إبعاد وإنكار، أي قد بلغ مبلغا لا أحد يرقيه، كما عند الناس: من ذا الذي يقدر أن يرقي هذا المشرف على الموت قاله عكرمة وابن زيد. واحتمل أن يكون القائل الملائكة، أي من يرقي بروحه إلى السماء؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ قاله ابن عباس أيضا وسليمان التيمي. وقيل: إنما يقولون ذلك لكراهتهم الصعود بروح الكافر لخبثها ونتنها، ويدل عليه قوله بعد: * (فلا صدق ولا صلى) * الآية. ووقف حفص على * (من) *، وابتدأ * (راق) *، وأدغم الجمهور. قال أبو علي: لا أدري ما وجه قراءته. وكذلك قرأ: * (بل ران) *. انتهى. وكان حفصا قصد أن لا يتوهم أنها كلمة واحدة، فسكت سكت لطيفا ليشعر أنهما كلمتان. وقال سيبويه: إن النون تدغم في الراء، وذلك نحو من راشد؛ والإدغام بغنة وبغير غنة، ولم يذكر البيان. ولعل ذلك من نقل غيره من الكوفيين، وعاصم شيخ حفص يذكر أنه كان عالما بالنحو. وأما * (بل ران) * فقد ذكر سيبويه أن اللام البيان فيها، والإدغام مع الراء حسنان، فلما أفرط في شأن البيان في * (بل ران) *، صار كالوقف القليل. * (وظن) *، أي المريض، * (أنه) *: أي ما نزل به، * (الفراق) *: فراق الدنيا التي هي محبوبته، والظن هنا على بابه. وقيل: فراق الروح الجسد.
* (والتفت الساق بالساق) *، قال ابن عباس والربيع بن أنس وإسماعيل بن أبي خالد: استعارة لشدة كرب الدنيا في آخر يوم منها، وشدة كرب الآخرة في أول يوم منها، لأنه بين الحالين قد اختلطا به، كما يقول: شمرت الحرب عن ساق، استعارة لشدتها. وقال ابن المسيب والحسن: هي حقيقة، والمراد ساقا الميت عندما لفا في الكفن. وقال الشعبي وقتادة وأبو مالك: التفافهما لشدة المرض، لأنه يقبض ويبسط ويركب هذه على هذه. وقال الضحاك: أسوق حاضريه من الإنس والملائكة؛ هؤلاء يجهزونه إلى القبر، وهؤلاء يجهزون روحه إلى السماء. وقيل: التفافهما: موتهما أولا، إذ هما أول ما تخرج الروح منهما فتبردان قبل سائر الأعضاء. وجواب إذا محذوف تقديره وجد ما عمله في الدنيا من خير وشر.
* (إلى ربك يومئذ المساق) *: المرجع والمصير، والمساق مفعل من السوق، فهو اسم مصدر، إما إلى جنة، وإما إلى نار. * (فلا صدق ولا صلى) *، الجمهور: إنها نزلت في أبي جهل وكادت أن تصرح به في قوله: * (يتمطى) *. فإنها كانت مشيته ومشية قومه بني مخزوم، وكان يكثر منها. وتقدم أيضا أنه قيل في قوله: * (أيحسب الإنسان أن * لن * نجمع عظامه) * أنها نزلت في أبي جهل. وقال الزمخشري: يعني الإنسان في قوله: * (أيحسب الإنسان أن * لن * نجمع عظامه) *. ألا ترى إلى قوله: * (أيحسب الإنسان أن يترك سدى) *، وهو معطوف على قوله: * (يسئل أيان يوم القيامة) *: أي لا يؤمن بالبعث؟ * (فلا صدق) * بالرسول والقرآن، * (ولا صلى) *. ويجوز أن يراد: فلا صدق ماله، يعني فلا زكاة. انتهى. وكون * (فلا صدق) * معطوفا على قوله: * (يسئل) * فيه بعد، ولا هنا نفت الماضي، أي لم يصدق ولم يصل؛ وفي هذا دليل على أن لا تدخل على الماضي فتنصبه، ومثله قوله:
* وأي خميس لا أتانا نهابه * وأسيافنا يقطرن من كبشه دما * وقال الراجز:
* إن تغفر اللهم تغفر جما * وأي عبد لك لا ألما *
(٣٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 ... » »»