* ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا * وقيل: وقرآنه: وتأليفه في صدرك، فهو مصدر من قرأت: أي جمعت، ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد: ما قرأت سلاقط، وقال الشاعر:
* ذراعي بكرة أدماء بكر * هجان اللون لم تقرأ جنينا * * (فإذا قرأناه) *: أي الملك المبلغ عنا، * (فأتبع) *: أي بذهنك وفكرك، أي فاستمع قراءته، قاله ابن عباس. وقال أيضا هو قتادة والضحاك: فاتبع في الأوامر والنواهي. وفي كتاب ابن عطية، وقرأ أبو العالية: فإذا قرته فاتبع قرته، بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثلاثة، ولم يتكلم على توجيه هذه القراءة الشاذة، ووجه اللفظ الأول أنه مصدر، أي إن علينا جمعه وقراءته، فنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة وحذفها فبقي قرته كما ترى. وأما الثاني فإنه فعل ماض أصله فإذا قرأته، أي أردت قراءته؛ فسكن الهمزة فصار قرأته، ثم حذف الألف على جهة الشذوذ، كما حذفت في قول العرب: ولو تر ما الصبيان، يريدون: ولو ترى ما الصبيان، وما زائدة. وأما اللفظ الثالث فتوجيهه توجيه اللفظ الأول، أي فإذا قرأته، أي أردت قراءته، فاتبع قراءته بالدرس أو بالعمل. * (ثم إن علينا بيانه) *، قال قتادة وجماعة: أن نبينه لك ونحفظكه. وقيل: أن تبنيه أنت. وقال قتادة أيضا: أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره.
وفي التحرير والتحبير قال ابن عباس: * (إن علينا جمعه) *: أي حفظه في حياتك، وقراءته: تأليفه على لسانك. وقال الضحاك: نثبته في قلبك بعد جمعه لك. وقيل: جمعه بإعادة جبريل عليك مرة أخرى إلى أن يثبت في صدرك. * (فإذا قرأناه) *، قال ابن عباس: أنزلناه إليك، فاستمع قراءته، وعنه أيضا: فإذا يتلى عليكك فاتبع ما فيه. وقال قتادة: فاتبع حلاله واجتنب حرامه. وقد نمق الزمخشري بحسن إيراده تفسير هذه الآية فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) إذا لقن الوحي، نازع جبريل القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفا من أن يتفلت منه، فأمر بأن يستنصت له ملقيا إليه بقلبه وسمعه حتى يقضي إليه وحيه، ثم يعقبه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه. والمعنى: لا تحرك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل يقرأ. * (لتعجل به) *: لتأخذه على عجلة ولئلا يتفلت منك، ثم علل النهي عن العجلة بقوله: * (إن علينا جمعه) * في صدرك وإثبات قراءته في لسانك. * (فإذا قرأناه) *: جعل قراءة جبريل قراءته، والقرآن القراءة، فاتبع قراءته: فكن مقفيا له فيه ولا تراسله، وطامن نفسك أنه لا يبقى غير محفوظ، فنحن في ضمان تحفيظه. * (ثم إن علينا بيانه) *: إذا أشكل عليك شيء من معانيه، كأنه كان يعجل في الحفظ والسؤال عن المعنى جميعا، كما ترى بعض الحراص على العلم ونحوه، ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه. انتهى.
وذكر أبو عبد الله الرازي في تفسيره: أن جماعة من قدماء الروافض زعموا أن القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص منه، وأنهم احتجوا بأنه لا مناسبة بين هذه الآية وما قبلها، ولو كان التركيب من الله تعالى ما كان الأمر كذلك. ثم ذكر الرازي مناسبات على زعمه يوقف عليها في كتابه، ويظهر أن المناسبة بين هذه الآية وما قبلها أنه تعالى لما ذكر منكر القيامة والبعث معرضا عن آيات الله تعالى ومعجزاته وأنه قاصر شهواته على الفجور غير مكترث بما يصدر منه، ذكر حال من يثابر على تعلم آيات الله وحفظها وتلقفها والنظر فيها وعرضها على من ينكرها رجاء قبوله إياها، فظهر بذلك تباين من يرغب في تحصيل آيات الله ومن يرغب عنها.
وبضدها تتميز الأشياء ولما كان عليه الصلاة والسلام، لمثابرته على ذلك، كان يبادر للتحفظ بتحريك لسانه أخبره تعالى أنه يجمعه له ويوضحه. كلا بل يحبون العاجلة ويذرون الآخرة. لما فرغ من خطابه