بالاستماع، ثم أكدى بالانقطاع. وقال الضحاك: أعطى قليلا من ماله ثم منع. وقال مقاتل: أعطى قليلا من الخير بلسانه ثم قطع. * (علم الغيب فهو) *: أي أعلم من الغيب أن من تحمل ذنوب آخر، فإنه المتحمل عنه ينتفع بذلك، فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيره، أم هو جاهل؟ وقال الزمخشري: * (فهو يرى) *: فهو يعلم أن ما قاله أخوه من احتمال أوزاره حق. وقيل: يعلم حاله في الآخرة. وقال الزجاج: يرى رفع مأثمه في الآخرة. وقيل: فهو يرى أن ما سمعه من القرآن باطل. وقال الكلبي: أنزل عليه قرآن، فرأى ما منعه حق. وقيل: * (فهو يرى) *: أي الأجزاء، واحتمل يرى أن تكون بصرية، أي فهو يبصر ما خفي عن غيره مما هو غيب، واحتمل أن يكون بمعنى يعلم، أي فهو يعلم الغيب مثل الشهادة.
* (أم لم ينبأ) *: أي بل ألم يخبر؟ * (بما فى صحف موسى) *، وهي التوراة. * (وإبراهيم) *: أي وفي صحف إبراهيم التي أنزلت عليه، وخص هذين النبيين عليهما أفضل الصلاة والسلام. قيل: لأنه ما بين نوح وإبراهيم كانوا يأخذون الرجل بأبيه وابنه وعمه وخاله، والزوج بامرأته، والعبد بسيده. فأول من خالفهم إبراهيم، ومن شريعة إبراهيم إلى شريعة موسى صلى الله عليه وسلم) عليهما، كانوا لا يأخذون الرجل بجريمة غيره. * (الذى * وفى) *، قرأ الجمهور: وفي بتشديد الفاء. وقرأ أبو أمامة الباهلي وسعيد بن جبير وأبو مالك الغفاري وابن السميفع وزيد بن علي: بتخفيفها، ولم يذكر متعلق وفي ليتناول كل ما يصلح أن يكون متعلقا له، كتبليغ الرسالة والاستقلال بأعباء الرسالة، والصبر على ذبح ولده، وعلى فراق إسماعيل وأمه، وعلى نار نمروذ وقيامه بأضيافه وخدمته إياهم بنفسه. وكان يمشي كل يوم فرسخا يرتاد ضيفا، فإن وافقه أكرمه، وإلا نوى الصوم. وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفى به. وعن عطاء بن السائب: عهد أن لا يسأل مخلوقا. وقال ابن عباس والربيع: وفي طاعة الله في أمر ذبح ابنه. وقال الحسن وقتادة: وفي بتبليغ الرسالة والمجاهدة في ذات الله. وقال عكرمة: وفي هذه العشر الآيات: * (أن لا * تزر) * فما بعدها. وقال ابن عباس أيضا وقتادة: وفي ما افترض عليه من الطاعة على وجهها، وكملت له شعب الإيمان والإسلام، فأعطاه الله براءته من النار. وقال ابن عباس أيضا: وفي شرائع الإسلام ثلاثين سهما، يعني: عشرة في براءة التائبون الخ، وعشرة في قد أفلح، وعشرة في الأحزاب إن المسلمين. وقال أبو أمامة: ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم)، وفي أربع صلوات في كل يوم. وقال أبو بكر الوراق: قام بشرط ما ادعى، وذلك أن الله تعالى قال له: أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين، فطالبه بصحة دعواه، فابتلاه في ما له وولده ونفسه، فوجده وافيا. انتهى، وللمفسرين أقوال غير هذه. وينبغي أن تكون هذه الأقوال أمثلة لما وفي، لا على سبيل التعيين، وأن هي المخففة من الثقيلة، وهي بدل من ما في قوله: * (بما فى صحف) *، أو في موضع رفع، كأن قائلا قال: ما في صحفهما، فقيل: * (لا * تزر وازرة وزر أخرى) *، وتقدم شرح * (لا * تزر وازرة وزر أخرى) *.
* (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) *: الظاهر أن الإنسان يشمل المؤمن والكافر، وأن الحصر في السعي، فليس له سعي غيره، وقال عكرمة: كان هذا الحكم في قوم إبراهيم وموسى، وأما هذه الأمة فلها سعي غيرها، يدل عليه حديث سعد بن عبادة: هل لأمي، إن تطوعت عنها؟ قال: نعم. وقال الربيع: الإنسان هنا الكافر، وأما المؤمن فله ما سعى وما سعى له غيره. وسأل والي خراسان عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن هذه الآية مع قوله: * (والله يضاعف لمن يشاء) *، فقال: ليس له بالعدل إلا ما سعى، وله بالفضل ما شاء الله، فقبل عبد الله رأس الحسين. وما روي عن ابن عباس أنها منسوخة لا يصح، لأنه خبر لم يتضمن تكليفا؛ وعند الجمهور: إنها محكمة. قال ابن عطية: والتحرير عندي في هذه الآية أن ملاك المعنى هو اللام من قوله: * (للإنسان) *. فإذا حققت الذي حق الإنسان أن يقول فيه لي كذا، لم تجده إلا سعيه، وما تم بعد من رحمة بشفاعة، أو رعاية أب صالح، أو ابن صالح، أو تضعيف حسنات، أو تعمد بفضل ورحمة دون هذا كله، فليس هو للإنسان، ولا يسعه أن يقول لي كذا وكذا إلا على تجوز وإلحاق بما هو حقيقة. واحتج بهذه الآية من يرى أنه لا يعمل أحد عن أحد بعد موته