أي لشق عليكم. وقال مقاتل: لأتمتم. وقال الزمخشري: والجملة المصدرة بلو لا تكون كلاما مستأنفا لأدائه إلى تنافر النظم، ولكن متصلا بما قبله حالا من أحد الضميرين في فيكم المستتر المرفوع، أو البارز المجرور، وكلاهما مذهب سديد، والمعنى: أن فيكم رسول الله، وأنتم على حالة يجب عليكم تغييرها، وهو أنكم تحاولون منه أن يعمل في الحوادث على مقتضى ما يعن لكم من رأي واستصواب فعل المطواع لغيره، والتابع له فيما يرتئيه المحتذي على أمثلته، ولو فعل ذلك * (لعنتم) *: أي لوقعتم في الجهد والهلاك.
وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم) الإيقاع ببني المصطلق، وتصديق قول الوليد، وأن نظائر ذلك من الهنات كانت تفرط منهم، وأن بعضهم كانوا يتصونون، ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك، وهم الذين استثناهم بقوله: * (ولاكن الله حبب إليكم الايمان) *: أي إلى بعضكم، ولكنه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم، وهذا من إيجازات القرآن ولمحاته اللطيفة التي لا يفطن إليها إلا الخواص. وعن بعض المفسرين: هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى. انتهى، وفيه تكثير. ولا بعد أن تكون الجملة المصدرة بلو مستأنفة لا حالا، فلا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب. وتقديم خبر أن على اسمها قصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجن من استتباعهم رأي الرسول صلى الله عليه وسلم) لآرائهم، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه. وقيل: يطيعكم دون أطاعكم، للدلالة على أنه كان في إرادتهم استمرار عملهم على ما يستصوبونه، وأنه كلما عن لهم رأي في أمر كان معمولا عليه بدليل قوله في كثير من الأمر، وشريطة لكن مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم صفة المتقدم ذكرهم فوقعت لكن في حاق موقعها من الاستدراك. انتهى، وهو ملتقط من كلام الزمخشري.
وقال الزمخشري أيضا: ومعنى تحبيب الله وتكريهه اللطف والإمداد بالتوفيق وسبيله الكناية، كما سبق وكل ذي لب، وراجع إلى بصيرة وذهن لا يغبا عليه أن الرجل لا يمدح بفعل غيره. وحمل الآية على ظاهرها يؤدي إلى أن يثني عليهم بفعل الله، وقد نفى الله هذا عن الذين أنزل فيهم، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. انتهى، وهي على طريق الاعتزال. وعن الحسن: حبب الإيمان بما وصف من الثناء عليه، وكره الثلاثة بما وصف من العقاب. انتهى. * (أولئك هم الرشدون) *: التفات من الخطاب إلى الغيبة. * (فضلا من الله ونعمة) *، قال ابن عطية: مصدر مؤكد لنفسه، لأن ما قبله هو بمعناه، هذ التحبيب والتزيين هو نفس الفضل. وقال الحوفي: فضلا نصب على الحال. انتهى، ولا يظهر هذا الذي قاله. وقال أبو البقاء: مفعول له، أو مصدر في معنى ما تقدم. وقال الزمخشري: فضلا مفعول له، أو مصدر من غير فعله. فإن قلت: من أين جاز وقوعه مفعولا له، والرشد فعل القوم، والفضل فعل الله تعالى، والشرط أن يتحد الفاعل؟ قلت: لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه، تقدست أسماؤه، وصار الرشد كأنه فعله، فجاز أن ينتصب عنه ولا ينتصب عن الراشدون، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم الله تعالى.
والجملة التي هي * (أولئك هم الرشدون) * اعتراض، أو عن فعل مقدر، كأنه قيل: جرى ذلك، أو كان ذلك فضلا من الله. وأما كونه مصدرا من غير فعله، فأن يوضع موضع رشدا، لأن رشدهم فضل من الله لكونهم موفقين فيه، والفضل والنعمة بمعنى الأفضال والأنعام. * (والله عليم) * بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل، * (حكيم) * حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم. انتهى. أما توجيهه كون فضلا مفعولا من أجله، فهو على طريق الاعتزال. وأما تقديره أو كان ذلك فضلا، فليس من مواضع إضمار كان، ولذلك شرط مذكور في النحو.
* (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التى تبغى حتى تفىء إلى أمر (سقط: إلى آخر الآية)) *.