فالمعنى عنده: وفي السلاسل يسحبون. وقال ابن الأنباري: والخفض على هذا المعنى غير جائز، لو قلت: زيد في الدار، لم يحسن أن تضمر في فتقول: زيد الدار، ثم ذكر تأويل الفراء، وخرج القراءة ثم قال: كما تقول: خاصم عبد الله زيدا العاقلين، بنصب العاقلين ورفعه، لأن أحدهما إذا خاصمه صاحبه فقد خاصمه الآخر. انتهى، وهذه المسألة لا تجوز عند البصريين، وهي منقول جوازها عن محمد بن سعفان الكوفي، قال: لأن كل واحد منهما فاعل مفعول، وقرئ: وبالسلاسل يسحبون، ولعل هذه القراءة حملت الزجاج على أن تأول الخفض على إضمار حرف الجر، وهو تأويل شذوذ. وقال ابن عباس: في قراءة من نصب والسلاسل، وفتح ياء يسحبون إذا كانوا يجرونها، فهو أشد عليهم، يكلفون ذلك وهم لا يطيقون. وقال مجاهد: * (يسجرون) *: يطرحون فيها، فيكونون وقودا لها. وقال السدي: يسجرون: يحرقون.
ثم أخبر تعالى أنهم يوقفون يوم القيامة من جهة التوبيخ والتقريع، فيقال لهم: أين الأصنام التي كنتم تعبدون في الدنيا؟ فيقولون: * (ضلوا عنا) *: أي تلفوا منا وغابوا واضمحلوا، ثم تضطرب أقوالهم ويفزعون إلى الكذب فيقولون: * (بل لم نكن * نعبد * شيئا) *، وهذا من أشد الاختلاط في الذهن والنظر.
ولما تبين لهم أنهم لم يكونوا شيئا، وما كانوا يعبدون بعبادتهم شيئا، كما تقول: حسبت أن فلانا شيء، فإذا هو ليس بشيء إذا اختبرته، فلم تر عنده جزاء، وقولهم: * (ضلوا عنا) *، مع قوله: * (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم) *، يحتمل أن يكون ذلك عند تقريعهم، فلم يكونوا معهم إذ ذاك، أو لما لم ينفعوهم قالوا: * (ضلوا عنا) *، وإن كانوا معهم. * (كذالك) *: أي مثل هذه الصفة وبهذا الترتيب، * (يضل الله الكافرين) *، وقال الزمخشري: أي مثل ضلال آلهتهم عنهم، يضلهم عن آلهتهم، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا. ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح، * (* بغيرالحق) *: وهو الشرك عبادة الأوثان. وقال ابن عطية: ذلك العذاب الذي أنتم فيه مما كنتم تفرحون في الأرض بالمعاصي والكفر. انتهى. و * (كنتم تمرحون) *، قال ابن عباس: الفخر والخيلاء؛ وقال مجاهد: الأشر والبطر. انتهى، فقال لهم ذلك توبيخا أي إيمانا لكم هذا بما كنتم تظهرون في الدنيا من السرور بالمعاصي وكثرة المال والاتباع والصحة. وقال الضحاك: الفرح والسرور، والمرح: العدوان، وفي الحديث: (إن الله يبغض البذخين الفرحين ويحب كل قلب حزين). وتفرحون وتمرحون من باب تجنيس التحريف المذكور في علم البديع، وهو أن يكون الحرف فرقا بين الكلمتين.
* (ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها) *: الظاهر أنه قيل لهم: ادخلوا بعد المحاورة السابقة، وهم قد كانوا في النار، ولكن هذا أمر يقيد بالخلود، وهو الثواء الذي لا ينقطع، فليس أمرا بمطلق الدخول، أو بعد الدخول فيها أمروا أن يدخلوا سبعة أبواب التي لكل باب منها جزء مقسوم من الكفار، فكان ذلك أمرا بالدخول يفيد التجزئة لكل باب. وقال ابن عطية: وقوله تعالى: * (أدخلوا) * معناه: يقال لهم قبل هذه المحاورة في أول الأمر ادخلوا، لأن هذه المخاطبة إنما هي بعد دخولهم، وفي الوقت الذي فيه الأغلال في أعناقهم. وأبواب جهنم: هي السبعة المؤدية إلى طبقاتها وأدراكها السبعة. انتهى. وخالدين: حال مقدرة، ودلت على الثواء الدائم، فجاء التركيب: * (فبئس مثوى المتكبرين) *: فبئس مدخل المتكبرين، لأن نفس الدخول لا يدوم، فلم يبالغ في ذمه، بخلاف الثواء الدائم.
* (فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون * ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتى (سقط: الآية كاملة)) *.