تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٨٢
يحتمل أن يكون التقدير: وآتيناه الحكمة، إذ قال، واختصر لدلالة المتقدم عليه. وابنه بار، أي: أو أنعم، أو اشكر، أو شاكر، أقوال. * (وهو يعظه) *: جملة حالية. قيل: كان ابنه وامرأته كافرين، فما زال يعظهما حتى أسلما. والظاهر أن قوله: * (إن الشرك لظلم عظيم) * من كلام لقمان. وقيل: هو خبر من الله، منقطع عن كلام لقمان، متصل به في تأكيد المعنى؛ وفي صحيح مسلم ما ظاهره أنه من كلام لقمان. وقرأ البزي: * (أو بنى) *، بالسكون، و * (وما يشعركم أنها) *: بكسر الياء، و * (لسنتنا تحويلا أقم) *: بفتحها. وقيل: بالسكون في الأولى والثانية، والكسر في الوسطى؛ وحفص والمفضل عن عاصم: بالفتح في الثلاثة على تقدير يا بنيا، والاجتزاء بالفتحة عن الألف. وقرأ باقي السبعة: بالكسر في الثلاثة.
* (ووصينا الإنسان بوالديه) *: لما بين لقمان لابنه أن الشرك ظلم ونهاه عنه، كان ذلك حثا على طاعة الله، ثم بين أن الطاعة تكون للأبوين، وبين السبب في ذلك، فهو من كلام لقمان مما وصى به ابنه، أخبر الله عنه بذلك. وقيل: هو من كلام الله، قاله للقمان، أي قلنا له اشكر. وقلنا له: * (ووصينا) *. وقيل: هذه الآية اعتراض بين أثناء وصيته للقمان، وفيها تشديد وتوكيد لاتباع الولد والده، وامتثال أمره في طاعة الله تعالى. وقال القرطبي: والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص، وعليه جماعة من المفسرين. ولما خص الأم بالمشقات من الحمل والنفاس والرضاع والتربية، نبه على السبب الموجب للإيصاء، ولذلك جاء في الحديث الأمر ببر الأم ثلاث مرات، ثم ذكر الأب، فجعل له مرة الربع من المبرة.
* (وهنا على وهن) *، قال ابن عباس: شدة بعد شدة، وخلقا بعد خلق. وقال الضحاك: ضعفا بعض ضعف. وقال قتادة: جهدا على جهد، يعني: ضعف الحمل، وضعف الطلق، وضعف النفاس، وانتصب على هذه الأقوال على الحال. وقيل: * (وهنا على وهن) *: نطفة ثم علقة، إلى آخر النشأة، فعلى هذا يكون حالا من الضمير المنصوب في حملته، وهو الولد. وقرأ عيسى الثقفي، وأبو عمرو في رواية: وهنا على وهن، بفتح الهاء فيهما، فاحتمل أن يكون كالشعر والشعر، واحتمل أن يكون مصدر وهن بكسر الهاء يوهن وهنا، بفتحها في المصدر قياسا. وقرأ الجمهور: بسكون الهاء فيهما. وقرؤا: * (وفصاله) *. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والجحدري، ويعقوب: وفصله، ومعناه الفطام، أي في تمام عامين، عبر عنه بنهايته، وأجمعوا على اعتبار العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن في الرضاع فخلاف مذكور في الفقه. و * (أن اشكر) * في موضع نصب، على قول الزجاج. وقال النحاس: الأجود أن تكون مفسرة. * (لى) *: أي على نعمة الإيمان. * (ولوالديك) *: على نعمة التربية * (إلى المصير) *: توعد أثناء الوصية. * (وإن جاهداك) * إلى: * (فلا تطعهما) *: تقدم الكلام عليه في العنكبوت، إلا أن هنا علي، وهناك لتشرك بلام العلة. وانتصب * (معروفا) * على أنه صفة لمصدر محذوف، أي صحابا، أو مصاحبا معروفا وعشرة جميلة، وهو إطعامهما وكسوتهما وعدم جفائهما وانتهارهما، وعيادتما إذا مرضا، ومواراتهما إذا ماتا. * (واتبع سبيل من أناب إلى) *: أي رجع إلى الله، وهو سبيل الرسول لا سبيلهما. * (ثم إلي مرجعكم) *: أي مرجعك ومرجعهما، فأجازي كلا منكم بعمله.
ولما نهى لقمان ابنه عن الشرك، نبهه على قدرة الله، وأنه لا يمكن أن يتأخر عن مقدوره شيء فقال: * (تعملون يابنى إنها إن تك) *، والظاهر أن الضمير في إنها ضمير القصة. وقرأ نافع: مثقال، بالرفع على * (إن تك) * تامة، وهي قراءة الأعرج وأبي جعفر، وأخبر عن مثقال، وهو مذكر، إخبار المؤنث، لأضافته إلى مؤنث، وكأنه قال: إن تك زنة حبة؛ وباقي السبعة: بالنصب على * (إن تك) * ناقصة، واسمها ضمير يفهم من سياق الكلام تقديره: هي، أي التي سألت عنها. وكان فيما روي قد سأل لقمان ابنه: أرأيت الحبة تقع في مغاص البحر؟ أيعلمها الله؟ فيكون الضمير ضمير جوهر لا ضمير عرض، ويؤيده قوله: * (إن تك مثقال حبة) *. وقرأ عبد الكريم الجزري: فتكن، بكسر الكاف وشد النون وفتحها؛ وقراءة محمد بن أبي فجة البعلبكي: فتكن، بضم التاء وفتح الكاف والنون مشددة. وقرأ قتادة: فتكن، بفتح التاء وكسر الكاف وسكون النون، من وكن يكن، ورويت هذه القراءة عن عبد الكريم الجزري أيضا: أي تستقر، ويجوز أن يكون الضمير ضمير عرض، أي تلك الفعلة من الطاعة أو المعصية. وعلى من قرأ بنصب مثقال، يجوز أن يكون الضمير في أنها ضمير الفعلة، لا ضمير القصة. قال الزمخشري: فمن نصب يعني مثقال، كان الضمير للهيئة من الإساءة والإحسان، أي كانت مثلا في الصغر والقماءة، كحبة
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»