تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٧١
السيئتين. ثم تلا الآية. والإسراف مجاوزة الحد في النفقة والقتر التضييق الذي هو نقيض الإسراف. وعن أنس في سنن ابن ماجة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (إن من السرف أن تأكل ما اشتهيته). وقال الشاعر:
* ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد * كلا طرفي قصد الأمور ذميم * وقال آخر * إذا المرء أعطى نفسه كلما اشتهت * ولم ينهها تاقت إلى كل باطل * وساقت إليه الإثم والعار بالذي دعته إليه من حلاوة عاجل * وقال حاتم * إذا أنت قد أعطيت بطنك سؤله * فرجك نالا منتهى الذم أجمعا وقرأ الحسن وطلحة والأعمش وحمزة والكسائي وعاصم: يقترون بفتح الياء وضم التاء ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع، وابن عامر بضم الياء وكسر التاء مشددة وكلها لغات في التضييق. وأنكر أبو حاتم لغة أقتر رباعيا هنا. وقال أقتر إذا افتقر. ومنه * (وعلى المقتر قدره) * وغاب عنه ما حكاه الأصمعي وغيره: من اقتر بمعنى ضيق، والقوام الاعتدال بين الحالتين. وقرأ حسان بن عبد الرحمن * (قواما) * بالكسر. فقيل: هما لغتان بمعنى واحد. وقيل: بالكسر ما يقام به الشيء يقال: أنت قوامنا بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص. وقيل: * (قواما) * بالكسر مبلغا وسدادا وملاك حال، و * (بين ذالك) * و * (قواما) * يصح أن يكونا خبرين عند من يجيز تعداد خبر * (كان) * وأن يكون * (بين) * هو الخبر و * (قواما) * حال مؤكدة، وأن يكون * (قواما) * خبرا و * (بين ذالك) * إما معمول لكان على مذهب من يرى أن كان الناقصة تعمل في الظرف، وأن يكون حالا من * (قواما) * لأنه لو تأخر لكان صفة، وأجاز الفراء أن يكون * (بين ذالك) * اسم * (كان) * وبني لإضافته إلى مبني كقوله * (ومن خزى يومئذ) * في قراءة من فتح الميم و * (قواما) * الخبر.
* قال الزمخشري: وهو من جهة الإعراب لا بأس به، ولكن المعنى ليس بقوي لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة انتهى.
وصفهم تعالى بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير، وبمثله خوطب الرسول صلى الله عليه وسلم) بقوله * (ولا تجعل يدك مغلولة) * الآية. * (والذين لا يدعون) * الآية سأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي الذنب أعظم؟ فقال: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك). قال: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك). قال: ثم أي؟ قال: (أن تزاني حليلة جارك). فأنزل الله تصديقها * (والذين لا يدعون) * الآية. وقيل: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم) مشركون قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، فقالوا: إن الذين تقول وتدعو إليه لحسن، أو تخبرنا أن لما علمنا كفارة فنزلت إلى * (غفورا رحيما) *. وقيل: نزولها قصة وحشي في إسلامه في حديث طويل. قال الزمخشري: نفي هذه التقبيحات العظام عن الموصوفين بتلك الخلال العظيمة في الدفين للتعريض بما كان عليه أعداء المؤمنين من قريش وغيرهم، كأنه قيل: والذين برأهم الله وطهرهم مما أنتم عليه. وقال ابن عطية: إخراج لعباده المؤمنين من صفات الكفرة في عبادتهم الأوثان وقتلهم النفس بوأد البنات وغير ذلك من الظلم والاغتيال والغارات وبالزنا الذي كان عندهم مباحا انتهى. وتقدم تفسير نظير * (ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق) * في
(٤٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 465 466 467 468 469 470 471 472 473 474 475 » »»