قال مكي يوقف على * (والارض) * في تلك الأقوال الثلاثة. واختلفوا في هذا التشبيه أهو تشبيه جملة بجملة لا يقصد فيها إلى تشبيه جزء بجزء ومقابلة شيء بشيء، أو مما قصد به ذلك أي مثل نور الله الذي هو هداه واتقانه صنعة كل مخلوق وبراهينه الساطعة على الجملة كهذه الجملة من النور الذي تتخذونه أنتم على هذه الصفة التي هي أبلغ صفات النور الذي بين أيدي الناس، أي مثل نور الله في الوضوح كهذا الذي هو منتهاكم أيها البشر. وقيل: هو من التشبيه المفصل المقابل جزءا بجزء، وقرروه على تلك الأقوال الثلاثة أي * (مثل نوره) * في محمد أو في المؤمن أو في القرآن والإيمان * (كمشكاة) * فالمشكاة هو الرسول أو صدره * (* والمصباح) * هو النبوة وما يتصل بها من علمه وهداه و * (زجاجة الزجاجة) * قلبه. والشجرة المباركة الوحي والملائكة رسل الله إليه، وشبه الفصل به بالزيت وهو الحجج والبراهين والآيات التي تضمنها الوحي وعلى قول المؤمن فالمشكاة صدره و * (المصباح) * الأيمان والعلم. و * (الزجاجة) * قلبه والشجرة القرآن وزيتها هو الحجج والحكمة التي تضمنها. قال أبي: فهو على أحسن الحال يمشي في الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات، وعلى قول الإيمان والقرآن أي مثل الإيمان والقرآن في صدر المؤمن في قلبه * (كمشكاة) * وهذا القول ليس في مقابلة التشبيه كالأولين، لأن المشكاة ليست تقابل الإيمان.
وقال الزمخشري: أي صفة * (نوره) * لعجيبة الشأن في الإضاءة * (كمشكاة) * أي كصفة مشكاة انتهى. ويظهر لي أن قوله * (كمشكاة) * هو على حذف مضاف أي * (مثل نوره) * مثل نور مشكاة وتقدم في المفردات أن المشكاة هي الكوة غير النافذة، وهو قول ابن جبير وسعيد بن عياض والجمهور. وقال أبو موسى: المشكاة الحديدة والرصاصة التي تكون فيها الفتيل في جوف الزجاجة. وقال مجاهد: المشكاة العمود الذي يكون المصباح على رأسه، وقال أيضا الحدائد التي تعلق فيها القناديل.
* (فيها مصباح) * أي سراج ضخم، والظاهر أن * (الزجاجة) * ظرف للمصباح لقوله * (المصباح فى زجاجة) * وقدره الزمخشري في زجاج شامي، وكان عنده أصفى الزجاج هو الشامي ولم يقيد في الآية. وقرأ أبو رجاء ونصر بن عاصم * (فى زجاجة الزجاجة) * بكسر الزاي فيهما، وابن أبي عبلة ونصر بن عاصم في رواية ابن مجاهد بفتحها. * (كأنها) * أي كأن الزجاجة لصفاء جوهرها وذاتها وهو أبلغ في الإنارة، ولما احتوت عليه من نور المصباح.
* (كوكب درى) * قال الضحاك: هو الزهرة شبه الزجاجة في زهرتها بأحد الدراري من الكواكب المشاهير، وهي المشتري، والزهرة، والمريخ، وسهيل ونحو ذلك. وقرأ الجمهور من السبعة نافع وابن عامر وحفص وابن كثير * (درى) * بضم الدال وتشديد الراء والياء، والظاهر نسبة الكوكب إلى الدر لبياضه وصفائه، ويحتمل أن يكون أصله الهمز فأبدل وأدغم. وقرأ قتادة وزيد بن علي والضحاك كذلك إلا أنهما فتحا الدال. وروى ذلك عن نصر بن عاصم وأبي رجاء وابن المسيب. وقرأ الزهري كذلك إلا أنه كسر الدال. وقرأ حمزة كذلك إلا أنه همز من الدرء بمعنى الدفع، أي يدفع بعضها بعضا، أو يدفع ضوؤها خفاءها ووزنها فعيل. قيل: ولا يوجد فعيل إلا قولهم مريق للعصفر ودريء في هذه القراءة. قيل: وسرية إذا قيل إنها مشتقة من السرور، وأبدل من أحد المضعفات الياء فأدغمت فيها ياء فعيل، وسمع أيضا مريخ للذي في داخل القرن اليابس بضم الميم وكسرها. وقيل: منه عليه. وقيل: * (درى) * ووزنه في الأصل فعول كسبوح فاستثقل الضم فرد إلى الكسر، وكذا قيل في سرته ودرته. وقرأ أبو عمرو والكسائي كذلك إلا أنه كسر الدال وهو بناء كثير في الأسماء نحو سكين وفي الأوصاف سكير. وقرأ قتادة أيضا وأبان بن عثمان وابن المسيب وأبو رجاء وعمرو بن فائد والأعمش ونصر بن عاصم كذلك إلا أنه بفتح الدال. قال ابن جني: وهذا عزيز لم يحفظ منه إلا السكينة بفتح السين وشد الكاف انتهى. وفي الأبنية حكى الأخفش كوكب دريء من درأته ودرية وعليك بالسكينة والوقار عن أبي زيد. وحكى الفراء بكسر السين.
وقرأ الأخوان وأبو بكر والحسن وزيد بن علي وقتادة وابن وثاب وطلحة وعيسى والأعمش * (* توقد) * بضم التاء أي * (زجاجة الزجاجة) * مضارع أوقدت مبينا للمفعول، ونافع وابن عامر وحفص كذلك إلا أنه بالياء أي * (المصباح) * وابن كثير