مبتدأ والمنصوبان بعده كانا خبرين له، فلما دخل عليهما جعل نصبهما جميعا على المفعولية. فإن قلت: كيف ينصب جعل ثلاثة مفاعيل؟ قلت: حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد لأن معنى قولك: جعلته حلوا حامضا جعلته للطعمين، وكذلك معنى ذلك * (جعلناهم) * جامعين لمماثلة الحصيد والخمود، والخمود عطف على المماثلة لا على الحصيد انتهى.
ولما ذكر تعالى قصم تلك القرى الظالمة أتبع ذلك بما يدل على أنه فعل ذلك عدلا منه ومجازاة على ما فعلوا وأنه إنما أنشأ هذا العالم العلوي المحتوي على عجائب من صنعه وغرائب من فعله، وهذا العالم السفلي وما أودع فيه من عجائب الحيوان والنبات والمعادن وما بينهما من الهواء والسحاب والرياح على سبيل اللعب بل لفوائد دينية تقضي بسعادة الأبد أو بشقاوته، ودنياوية لا تعد ولا تحصى كقوله * (وما خلقنا السماء والارض وما بينهما باطلا) * وقوله * (ما خلقناهما إلا بالحق) *.
قال الكرماني: اللعب فعل يدعو إليه الجهل يروق أوله ولا ثبات له، وإنما خلقناهما لنجازي المحسن والمسيء، وليستدل بهما على الوحدانية والقدرة انتهى. و * (لو أردنا أن نتخذ لهوا) * أصل اللهو ما تسرع إليه الشهوة ويدعو إليه الهوى، وقد يكنى به عن الجماع، وأما هنا فعن ابن عباس والسدي هو الولد. وقال الزجاج: هو الولد بلغة حضرموت. وعن ابن عباس: إن هذا رد على من قال * (اتخذ الله ولدا) * وعنه أن اللهو هنا اللعب. وقيل: اللهو هنا المرأة. وقال قتادة: هذا في لغة أهل اليمن، وتكون ردا على من ادعى أن لله زوجة ومعنى * (من لدنا) * من عندنا بحيث لا يطلع عليه أحد لأنه نقص فستره أولى. وقال السدي: من السماء لا من الأرض. وقيل: من الحور العين. وقيل: من جهة قدرتنا. وقيل: من الملائكة لا من الإنس ردا لولادة المسيح وعزير. وقال الزمخشري: بين أن السبب في ترك التخاذ اللهو واللعب وانتفائه عن أفعالي أن الحكمة صارفة عنه، وإلا فأنا قادر على اتخاذه إن كنت فاعلا لأني على كل شيء قدير انتهى. ولا يجيء هذا إلا على قول من قال: اللهو هو اللعب، وأما من فسره بالولد والمرأة فذلك مستحيل لا تتعلق به القدرة. والظاهر أن * (ءان) * هنا شرطية وجواب الشرط محذوف، يدل عليه جواب * (لو) * أي إن كنا فاعلين اتخذناه إن كنا ممن يفعل ذلك ولسنا ممن يفعله. وقال الحسن: وقتادة وجريج * (ءان) * نافية أي ما كنا فاعلين.
* (بل نقذف) * أي نرمي بسرعة * (بالحق) * وهو القرآن * (على الباطل) * وهو الشيطان قاله مجاهد، وقال كل ما في القرآن من الباطل فهو الشيطان. وقيل: بالحق بالحجة على الباطل وهو شبههم ووصفهم الله بغير صفاته من الولد وغيره. وقيل: الحق عام في القرآن والرسالة والشرع، والباطل أيضا عام كذلك و * (بل) * إضراب عن اتخاذ اللعب واللهو، والمعنى أنه يدحض الباطل بالحق واستعار لذلك القذف والدمغ تصويرا لإبطاله وإهداره ومحقه، فجعله كأنه جرم صلب كالصخرة مثلا قذف به على جرم رخو أجوف فدمغه أي أصاب دماغه، وذلك مهلك في البشر فكذلك الحق يهلك الباطل. وقرأ عيسى بن عمر * (فيدمغه) * بنصب الغين، قال الزمخشري: وهو في ضعف قوله:
* سأترك منزلي لبني تميم * وألحق بالحجاز فأستريحا * وقرئ * (فيدمغه) * بضم الميم انتهى. و * (لكم * الويل) * خطاب للكفار أي الخزي والهم مما تصفون أي تصفونه مما لا يليق به تعالى من اتخاذ الصاحبة والولد ونسبة المستحيلات إليه. وقيل * (لكم) * خطاب لمن تمسك بتكذيب الرسل ونسب