تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٧٥
الإضافة ولا يقاس على مثلها غيرها لشذوذها وخروجها عن الأقيسة، وقد أمعنا الكلام عليها في شرح التسهيل والواو في * (وهم) * واو الحال.
* وأخبر عنهم بخبرين ظاهرهما التنافي لأن الغفلة عن الشيء والإعراض عنه متنافيان، لكن يجمع بينهما باختلاف حالين أخبر عنهم أولا أنهم لا يتفكرون في عاقبة بل هم غافلون عما يؤول إليه أمرهم. ثم أخبر عنهم ثانيا أنهم إذا نبهوا من سنة الغفلة وذكروا بما يؤول إليه أمر المحسن والمسيء أعرضوا عنه ولم يبالوا بذلك، والذكر هنا ما ينزل من القرآن شيئا بعد شيء. وقيل المراد بالذكر أقوال النبي صلى الله عليه وسلم) في أمر الشريعة ووعظه وتذكيره ووصفه بالحدوث إذا كان القرآن لنزوله وقتا بعد وقت. وسئل بعض الصحابة عن هذه الآية فقال محدث النزول محدث المقول. وقال الحسن بن الفضل: المراد بالذكر هنا النبي صلى الله عليه وسلم) بدليل * (هل هاذا إلا بشر مثلكم) * وقال: * (قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولا) * وقد احتجت المعتزلة على حدوث القرآن بقوله * (محدث) * وهي مسألة يبحث فيها في علم الكلام. وقرأ الجمهور * (محدث) * بالجر صفة لذكر على اللفظ، وابن أبي عبلة بالرفع صفة لذكر على الموضع، وزيد بن علي بالنصب على الحال * (من ذكر) * إذ قد وصف بقوله * (من ربهم) * ويجوز أن يتعلق * (من ربهم) * بيأتيهم. و * (استمعوه) * جملة حالية وذو الحال المفعول في * (ما يأتيهم) * * (وهم يلعبون) * جملة حالية من ضمير * (استمعوه) * و * (لاهية) * حال من ضمير * (يلعبون) * أو من ضمير * (استمعوه) * فيكون حالا بعد حال، واللاهية من قول العرب لهي عنه إذا ذهل وغفل يلهى لهيا ولهيانا، أي وإن فطنوا لا يجدي ذلك لاستيلاء الغفلة والذهول وعدم التبصر بقلوبهم. وقرأ ابن أبي عبلة وعيسى * (لاهية) * بالرفع على أنه خبر بعد خبر لقوله * (وهم) *.
و * (النجوى) * من التناجي ولا يكون إلا خفية فمعنى * (وأسروا) * بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث لا يفطن أحد لتناجيهم ولا يعلم أنهم متناجون. وقال أبو عبيد: * (أسروا) * هنا من الأضداد يحتمل أن يكون أخفوا كلامهم، ويحتمل أن يكون أظهروه ومنه قول الفرزدق:
* فلما رأى الحجاج جرد سيفه * أسر الحروري الذي كان أضمرا وقال التبريزي: لا يستعمل في الغالب إلا في الإخفاء، وإنما * (أسروا) * الحديث لأنه كان ذلك على طريق التشاور، وعادة المتشاورين كتمان سرهم عن أعدائهم، وأسروها ليقولوا للرسول صلى الله عليه وسلم) وللمؤمنين إن ما تدعونه حقا فأخبرونا بما أسررناه وجوزوا في إعراب * (الذين ظلموا) * وجوها الرفع والنصب والجر، فالرفع على البدل من ضمير * (وأسروا) * إشعارا أنهم الموسومون بالظلم الفاحش فيما أسروا به قاله المبرد، وعزاه ابن عطية إلى سيبويه أو على أنه فاعل، والواو في * (أسروا) * علامة للجمع على لغة أكلوني البراغيث قاله أبو عبيدة والأخفش وغيرهما. قيل: وهي لغة شاذة. قيل: والصحيح أنها لغة حسنة، وهي من لغة أزدشنوءة وخرج عليه قوله * (ثم عموا وصموا كثير منهم) * وقال شاعرهم:
* يلومونني في اشتراء النخيل أهلي وكلهم ألوم *
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»