تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٧٤
الخردل: حب معروف.
* (اقترب * حسابهم وهم فى غفلة معرضون * ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هاذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وأنتم تبصرون * قال ربى يعلم القول فى السماء والارض وهو السميع العليم * بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بئاية كما أرسل الاولون * ما ءامنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون * وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحى إليهم * فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون * وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين * لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون) *.
هذه السورة مكية بلا خلاف، وعن عبد الله: الكهف، ومريم، وطه، والأنبياء من العتاق الأول، وهن من تلادي أي من قديم ما حفظت وكسبت من القرآن كالمال التلاد. ومناسبة هذه السورة لما قبلها أنه لما ذكر * (قل كل متربص فتربصوا) * قال مشركو قريش: محمد يهددنا بالمعاد والجزاء على الأعمال وليس بصحيح، وإن صح ففيه بعد فأنزل الله تعالى * (اقترب للناس حسابهم) *، و * (اقترب) * افتعل بمعنى الفعل المجرد وهو قرب كما تقول: ارتقب ورقب. وقيل: هو أبلغ من قرب للزيادة التي في البناء. والناس مشركو مكة. وقيل: عام في منكري البعث، واقتراب الحساب اقتراب وقته والحساب في اللغة إخراج الكمية من مبلغ العدد، وقد يطلق على المحسوب وجعل ذلك اقترابا لأن كل ما هو آت وإن طال وقت انتظاره قريب، وإنما البعيد هو الذي انقرض أو هو مقترب عند الله كقوله * (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) * أو باعتبار ما بقي من الدنيا فإنه أقصر وأقل مما مضى. وفي الحديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين). قال الشاعر:
* فما زال من يهواه أقرب من غد * وما زال من يخشاه أبعد من أمس * و * (للناس) * متعلق باقترب. وقال الزمخشري: هذه اللام لا تخلو من أن تكون صلة لاقترب، أو تأكيدا لإضافة الحساب إليهم كما تقول أزف للحي رحيلهم، الأصل أزف رحيل الحي ثم أزف للحي رحيلهم ونحوه ما أورده سيبويه في باب ما يثني فيه المستقر توكيدا عليك زيد حريص عليك، وفيك زيد راغب فيك ومنه قولهم: لا أبا لك لأن اللام مؤكدة لمعنى الإضافة، وهذا الوجه أغرب من الأول انتهى يعني بقوله صلة أنها تتعلق باقترب، وأما جعله اللام تأكيدا لإضافة الحساب إليهم مع تقدم اللام ودخولها على الاسم الظاهر فلا نعلم أحدا يقول ذلك، وأيضا فيحتاج إلى ما يتعلق به ولا يمكن تعلقها بحسابهم لأنه مصدر موصول ولا يتقدم معموله عليه، وأيضا فالتوكيد يكون متأخرا عن المؤكد وأيضا فلو أخر في هذا التركيب لم يصح. وأما تشبيهه بما أورد سيبويه فالفرق واضح لأن عليك معمول لحريص، وعليك الثانية متأخرة توكيدا وكذلك فيك زيد راغب فيك يتعلق فيك براغب، وفيك الثانية توكيد، وإنما غره في ذلك صحة تركيب حساب الناس. وكذلك أزف رحيل الحي فاعتقد إذا تقدم الظاهر مجرورا باللام وأضيف المصدر لضميره أنه من باب فيك زيد راغب فيك وليس مثله، وأما لا أبا لك فهي مسألة مشكلة وفيها خلاف، ويمكن أن يقال فيها ذلك لأن اللام جاورت
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»