تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢٣
الابتداء و * (أن لا تعبدوا) * الخبر. وفي مصحف ابن مسعود وأصحابه وابن عباس وابن جبير والنخعي وميمون بن مهران من التوصية. وقرأ بعضهم: وأوصى من الإيصاء، وينبغي أن يحمل ذلك التفسير لأنها قراءة مخالفة لسواد المصحف والمتواتر هو * (وقضى) * وهو المستفيض عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهم في أسانيد القراء السبعة. * (وقضى) * هنا قال ابن عباس والحسن وقتادة بمعنى أمر. وقال ابن مسعود وأصحابه: بمعنى وصى. وقيل: أوجب وألزم وحكم. وقيل: بمعنى أحكم. وقال ابن عطية: وأقول أن المعنى * (وقضى ربك) * أمره * (أن لا تعبدوا إلا * إياه) * وليس في هذه الألفاظ إلا أمر بالاقتصار على عبادة الله، فذلك هو المقضي لا نفس العبادة، والمقضي هنا هو الأمر انتهى. كأنه رام أن يترك قضى على مشهور موضوعها بمعنى قدر، فجعل متعلقه الأمر بالعبادة لا العبادة لأنه لا يستقيم أن يقضي شيئا بمعنى أن يقدر إلا ويقع، والذي فهم المفسرون غيره أن متعلق قضى هو * (أن لا تعبدوا) * وسواء كانت * (ءان) * تفسيرية أم مصدرية. وقال أبو البقاء: ويجوز أن تكون في موضع نصب أي ألزم ربك عبادته و * (لا) * زائدة انتهى. وهذا وهم لدخول * (إلا) * على مفعول * (تعبدوا) * فلزم أن يكون منفيا أو منهيا والخطاب بقوله * (لا تعبدوا) * عام للخلق. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون * (قضى) * على مشهورها في الكلام ويكون الضمير في * (تعبدوا) * للمؤمنين من الناس إلى يوم القيامة انتهى.
قال الحوفي: الباء متعلقة بقضى، ويجوز أن تكون متعلقة بفعل محذوف تقديره وأوصى * (وبالوالدين إحسانا) * و * (إحسانا) * مصدر أي تحسنوا إحسانا. وقال ابن عطية: قوله * (وبالوالدين إحسانا) * عطف على أن الأولى أي أمر الله * (أن لا تعبدوا إلا * إياه) * وأن تحسنوا * (وبالوالدين إحسانا) * وعلى هذا الاحتمال الذي ذكرناه يكون قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * مقطوعا من الأول كأنه أخبرهم بقضاء الله، ثم أمرهم بالإحسان إلى الوالدين. وقال الزمخشري: لا يجوز أن تتعلق الباء في * (* بالوالدين) * بالإحسان لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته. وقال الواحدي في البسيط: الباء في قوله * (* بالوالدين) * من صلة الإحسان، وقدمت عليه كما تقول: بزيد فامرر، انتهى. وأحسن وأساء يتعدى بإلى وبالباء قال تعالى: * (حقا وقد أحسن بى) * وقال الشاعر:
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة وكأنه تضمن أحسن معنى لطف، فعدي بالباء و * (إحسانا) * إن كان مصدرا ينحل لأن والفعل فلا يجوز تقديم متعلقه به، وإن كان بمعنى أحسنوا فيكون بدلا من اللفظ بالفعل نحو ضربا زيدا، فيجوز تقديم معموله عليه، والذي نختاره أن تكون * (ءان) * حرف تفسير و * (لا تعبدوا) * نهي و * (إحسانا) * مصدر بمعنى الأمر عطف ما معناه أمر على نهي كما عطف في:
يقولون لا تهلك أسى وتجمل وقد اعتنى بالأمر بالإحسان إلى الوالدين حيث قرن بقوله: * (لا تعبدوا) * وتقديمهما اعتناء بهما على قوله: * (إحسانا) * ومناسبة اقتران بر الوالدين بإفراد الله بالعبادة من حيث أنه تعالى و الموجد حقيقة، والوالدان وساطة في إنشائه، وهو تعالى المنعم بإيجاده ورزقه، وهما ساعيان في مصالحه. وقال الزمخشري: * (أما) * هي الشرطية زيدت عليها ما توكيدا لها، ولذلك دخلت النون المؤكدة في الفعل، ولو أفردت لم يصح دخولها لا تقول أن تكرمن زيدا يكرمك، ولكن إما تكرمنه
(٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 ... » »»