تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٦٠
المداد * (لنفد البحر) * أي فني ماؤه الذي هو المداد قبل أن تنفد الكلمات لأن كلماته تعالى لا يمكن نفادها لأنها لا تتناهى والبحر ينفد لأنه متناه ضرورة، وليس ببدع أن أجهل شيئا من معلوماته * (وإنما أنا * بشر مثلكم) * لم أعلم إلا ما أوحي إلى به وأعلمت.
وقرأ الجمهور * (مدادا لكلمات ربى) *. وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش ومجاهد والأعرج والحسن والمنقري عن أبي عمر ومددا لكلمات ربي. وقرأ الجمهور * (تنفد) * بالتاء من فوق. وقرأ حمزة والكسائي وعمرو بن عبيد والأعمش وطلحة وابن أبي ليلى بالياء. وقرأ السلمي * (أن تنفد) * بالتشديد على تفعل على المضي، وجاء كذلك عن عاصم وأبي عمرو فهو مطاوع من نفد تقديره لنفد. وقرأ الجمهور بمثله مددا بفتح الميم والدال بغير ألف، والأعرج بكسر الميم. وأنتصب * (مددا) * على التمييز عن مثل كقوله.
فإن الهوى يكفيكه مثله صبرا وقرأ ابن مسعود وابن عباس ومجاهد والأعمش بخلاف والتيمي وابن محيصن وحميد والحسن في رواية، وأبو عمرو في رواية وحفص في رواية بمثله مدادا بألف بين الدالين وكسر الميم. قال أبو الفضل الرازي: ويجوز أن يكون نصبه على المصدر بمعنى ولو أمددناه بمثله إمدادا ثم ناب المدد مناب الإمداد مثل أنبتكم نباتا.
وفي قوله * (بشر مثلكم) * إعلام بالبشرية والمماثلة في ذلك لا أدعي إني ملك * (يوحى إلى) * أي علي إنما هو مستند إلى وحي ربي، ونبه على الوحدانية لأنهم كانوا كفارا بعبادة الأصنام، ثم حض على ما فيه النجاة و * (يرجو) * بمعنى يطمع و * (لقاء ربه) * على تقدير محذوف أي حسن لقاء ربه. وقيل * (يرجو) * أي يخاف سوء * (لقاء ربه) * أي لقاء جزاء ربه، وحمل الرجاء على بابه أجود لبسط النفس إلى إحسان الله تعالى. ونهى عن الإشراك بعبادة الله تعالى. وقال ابن جبير: لا يراثي في عمله فلا يبتغي إلا وجه ربه خالصا لا يخلط به غيره. قيل نزلت في جندب بن ز هير قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم): إني أعمل العمل لله فإذا أطلع عليه سرني فقال: (إن الله لا يقبل ماشورك فيه). وروي أنه قال: (لك أجران أجر السر وأجر العلانية) وذلك إذا قصد أن يقتدى به. وقال معاوية بن أبي سفيان: هذه آخر آية نزلت من القرآن.
وقرأ الجمهور * (ولا يشرك) * بياء الغائب كالأمر في قوله * (فليعمل) *. وقرأ أبو عمرو في رواية الجعفي عنه: ولا تشرك بالتاء خطابا للسامع والتفاتا من ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب، وهو المأمور بالعمل الصالح ثم عاد إلى الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله بربه، ولم يأت التركيب بربك إيذانا بأن الضميرين لمدلول واحد وهو من في قوله * (فمن كان يرجو) *.
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»