تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٥٩
عبيد الله بن الحارث بن كعب إنه جنات الكروم والأعناب خاصة من الثمار. وقال المبرد: * (الفردوس) * فيما سمعت من كلام العرب الشجر الملتف والأغلب عليه العنب. وحكى الزجاج أنه الأودية التي تنبت ضروبا من النبات، وهل هو عربي أو أعجمي؟ قولان وإذا قلنا أعجمي فهل هو فارسي أو رومي أو سرياني؟ أقوال. وقال حسان:
* وإن ثواب الله كل موحد * جنان من الفردوس فيها يخلد * قيل: ولم يسمع بالفردوس في كلام العرب إلا في هذا البيت بيت حسان، وهذا لا يصح فقد قال أمية بن أبي الصلت:
* كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة * فيها الفراديس ثم الثوم والبصل * الفراديس جمع فردوس. والظاهر أن معنى * (جنات الفردوس) * بساتين حول الفردوس ولذلك أضاف الجنات إليه. ويقال: كرم مفردس أي معرش، وكذلك سميت الروضة التي دون اليمامة فردوسا لأجتماع نخلها وتعريشها على أرضها. وفي دمشق باب الفراديس يخرج منه إلى البساتين. و * (نزلا) * يحتمل من التأويل ما احتمل قوله * (نزلا) * المتقدم. ومعنى * (حولا) * أي محولا إلى غيرها. قال ابن عيسى: هو مصدر كالعوج والصغر. قال الزمخشري: يقال حال عن مكانه حولا كقوله.
عادني حبها عودا يعني لا مزيد عليها حتى تنازعهم أنفسهم إلى أجمع لأغراضهم وأمانيهم، وهذه غاية الوصف لأن الإنسان في الدنيا في أي نعيم كان فهو طامح الطرف إلى أرفع منه، ويجوز أن يراد نفي التحول وتأكيد الخلود انتهى. وقال ابن عطية: والحول بمعنى التحول. قال مجاهد متحولا. وقال الشاعر:
* لكل دولة أجل * ثم يتاح لها حول * وكأنه اسم جمع وكان واحده حوالة وفي هذا نظر. وقال الزجاج عن قوم: هي بمعنى الحيلة في التنقل وهذا ضعيف متكلف.
* (قل لو كان البحر) *. قيل سبب نزولها أن اليهود قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم): كيف تزعم أنك نبي الأمم كلها ومبعوث إليها، وأنك أعطيت ما يحتاجه الناس من العلم وأنت مقصر قد سئلت عن الروح فلم تجب فيه؟ فنزلت معلمة باتساع معلومات الله وأنها غير متناهية وأن الوقوف دونها ليس ببدع ولا نكر، فعبر عن هذا بتمثيل ما يستكثرونه وهو قوله * (قل لو كان البحر) *. وقيل قال حيي بن أخطب في كتابكم * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) * ثم تقروؤن * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * فنزلت يعني إن ذلك خير كثير ولكنه قطرة من بحر كلمات الله * (قل لو كان البحر) * أي ماء البحر * (مدادا) * وهو ما يمد به الدواة من الحبر، وما يمد به السراج من السليط. ويقال: السماء مداد الأرض * (لكلمات ربى) * أي معد الكتب كلمات ربي وهو علمه وحكمته، وكتب بذلك
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»