تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٦٥
وهم عصبته إخوته وبنو عمه شرار بني إسرائيل فخافهم على الدين أن يغيروه وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته، فطلب عقبا صالحا من صلبه يقتدي به في إحياء الدين.
وقرأ الجمهور * (خفت) * من الخوف. وقرأ عثمان بن عفان وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاصي وابن يعمر وابن جبير وعلي بن الحسين وولده محمد وزيد وشبيل بن عزرة والوليد بن مسلم لأبي عامر * (خفت) * بفتح الخاء والفاء مشددة وكسر تاء التأنيث * (الموالى) * بسكون الياء والمعنى انقطع موالي وماتوا فإنما أطلب وليا يقوم بالدين. وقرأ الزهري * (خفت) * من الخوف * (الموالى) * بسكون التاء على قراءة * (خفت) * من الخوف يكون * (من ورائى) * أي بعد موتي. وعلى قراءة * (خفت) * يحتمل أن يتعلق * (من ورائى) * بخفت وهو الظاهر، فالمعنى أنهم خفوا قدامه أي درجوا فلم يبق منهم من له تقو واعتضاد، وأن يتعلق بالموالي أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين. و * (ورائى) * بمعنى خلفي ومن بعدي، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بولي يرزقه. وروي عن ابن كثير من ورأي مقصورا كعصاي.
وتقدم شرح العاقر في آل عمران وقوله * (من لدنك) * تأكيد لكونه وليا مرضيا بكونه مضافا إلى الله وصادرا من عنده، أو أراد اختراعا منك بلا سبب لأني وامرأتي لا نصلح للولادة. والظاهر أنه طلب من الله تعالى أن يهبه وليا ولم يصرح بأن يكون ولد البعد ذلك عنده لكبره وكون امرأته عاقرا. وقيل: إنما سأل الولد.
وقرأ الجمهور: * (يرثنى ويرث) * برفع الفعلين صفة للولي فإن كان طلب الولد فوصفه بأن تكون الإجابة في حياته حتى يرثه لئلا تكون الإجابة في الولد لكن يحرمه فلا يحصل ما قصده. وقرأ النحويان والزهري والأعمش وطلحة واليزيدي وابن عيسى الأصبهاني وابن محيصن وقتادة بجزمهما على جواب الأمر. وقرأ علي وابن عباس والحسن وابن يعمر والجحدري وقتادة وأبو حرب بن أبي الأسود وجعفر بن محمد وأبو نهيك * (يرثنى) * بالرفع والياء وارث جعلوه فعلا مضارعا من ورث. قال صاحب اللوامح: وفيه تقديم فمعناه * (فهب لى من لدنك وليا) * من آل يعقوب * (يرثنى) * إن مت قبله أي نبوتي وأرثه إن مات قبلي أي ماله، وهذا معنى قول الحسن. وقرأ علي وابن عباس والجحدري * (يرثنى) * وارث * (من ءال يعقوب) *. قال أبو الفتح هذا هو التجريد التقدير * (يرثنى) * منه وارث. وقال الزمخشري وارث أي * (يرثنى) * به وارث ويسمى التجريد في علم البيان، والمراد بالإرث إرث العلم لأن الأنبياء لا تورث المال. وقيل: * (يرثنى) * الحبورة وكان حبرا ويرث * (من ءال يعقوب) * الملك يقال: ورثته وورثت منه لغتان.
وقيل: * (من) * للتبعيض لا للتعدية لأن * (يعقوب كما) * ليسوا كلهم أنبياء ولا علماء. وقرأ مجاهد أو يرث من آل يعقوب على التصغير، وأصله وويرث فأبدلت الواو همزة على اللزوم لاجتماع الواوين وهو تصغير وارث أي غليم صغير. وعن الجحدري وارث بكسر الواو يعني به الإمالة المحضة لا الكسر الخالص، والظاهر أن يعقوب هو ابن إسحاق بن إبراهيم. وقيل: هو يعقوب بن ماثان أخو زكرياء. وقيل: يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود ومرضيا بمعنى مرضي.
* (عبده زكريا) * أي قيل له بإثر الدعاء. وقيل: رزقه بعد أربعين سنة من دعائه. وقيل: بعد ستين والمنادي والمبشر زكرياء هم الملائكة بوحي من الله تعالى قال تعالى * (فنادته الملئكة) * الآية والغلام الولد الذكر، وقد يقال للأثنى غلامة كما قال.
تهان لها الغلامة والغلام والظاهر أن * (يحيى) * ليس عربيا لأنه لم تكن عادتهم أن يسموا بألفاظ العربية فيكون منعه الصرف للعلمية والعجمة، وإن كان عربيا فيكون مسمى بالفعل كيعمر ويعيش قد سموا بيموت وهو يموت بن المزرع ابن أخت الجاحظ. وعلى أنه عربي. فقيل: سمي بذلك لأنه يحيى بالحكمة والعفة. وقيل: يحيى بهدايته إرشاده خلق كثير. وقيل لأنه يستشهد
(١٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 ... » »»