تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١١٠
الخفي أو لظنهم ذلك، أي الحامل لهم على هذا القول هو الرجم بالغيب.
* و * (ثلاثة) * خبر مبتدأ محذوف، والجملة بعده صفة أي هم ثلاثة أشخاص، وإنما قدرنا أشخاصا لأن * (رابعهم) * اسم فاعل أضيف إلى الضمير، والمعنى أنه ربعهم أي جعلهم أربعة وصيرهم إلى هذا العدد، فلو قدر * (ثلاثة) * رجال استحال أن يصير ثلاثة رجال أربعة لاختلاف الجنسين، والواو في * (وثامنهم) * للعطف على الجملة السابقة أي * (يقولون) * هم * (سبعة وثامنهم كلبهم) * فأخبروا أولا بسبعة رجال جزما، ثم أخبروا اخبارا ثانيا أن * (رابعهم كلبهم) * بخلاف القولين السابقين، فإن كلا منهما جملة واحدة وصف المحدث عنه بصفة، ولم يعطف الجملة عليه. وذكر عن أبي بكر بن عياش وابن خالويه أنها واو الثمانية، وأن قريشا إذا تحدثت تقول ستة سبعة وثمانية تسعة فتدخل الواو في الثمانية، وكونهما جملتين معطوف إحداهما على الأخرى مؤذن بالتثبيت في الإخبار بخلاف ما تقدم فإنهم أخبروا بشيء موصوف بشيء لم يتأخر عن الإخبار، ولذلك جاء فيه * (رجما بالغيب) * ولم يجيء في هاتين الجملتين بشيء يقدح فيهما. وقرئ وثامنهم كالبهم أي صاحب كلبهم، وزعم بعضهم أنهم ثمانية رجال، واستدل بهذه القراءة وأول قوله وكلبهم على حذف مضاف، أي وصاحب كلبهم. وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله * (وثامنهم) * ليس داخلا تحت قولهم بل لقولهم هو قوله: * (ويقولون سبعة) * ثم أخبر تعالى بهذا على سبيل الاستئناف، وإذا كان استئنافا من الله دل ذلك على أنهم ثمانية بالكلب، وأما * (رابعهم كلبهم) * و * (سادسهم كلبهم) * فهو من جملة المحكي من قولهم، لأن كلا من الجملتين صفة، وإلى أن العدة ثمانية بالكلب ذهب الأكثرون من الصحابة والتابعين وأئمة التفسير.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فما هذه الواو الداخلة على الجملة الثالثة ولم دخلت عليها دون الأولتين؟ قلت: هي الواو التي تدخل على الجملة الواقعة صفة للنكرة كما تدخل على الواقعة حالا عن المعرفة في نحو قولك: جاءني رجل ومعه آخر، ومررت بزيد وفي يده سيف. ومنه قوله عز وعلا * (ومآ أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) * وفائدتها توكيد لصوق الصفة بالموصوف، والدلالة على اتصافه أمر ثابت مستقر، وهي الواو التي آذنت بأن الدين قالوا * (سبعة وثامنهم كلبهم) * قالوه عن ثبات علم وطمأنينة نفس ولم يرجموا بالظن كما غيرهم انتهى.
وكون الواو تدخل على الجملة الواقعة صفة دالة على لصوق الصفة بالموصوف وعلى ثبوت اتصاله بها شيء لا يعرفه النحويون، بل قرروا أنه لا تعطف الصفة التي ليست بجملة على صفة أخرى إلا إذا اختلفت المعاني حتى يكون العطف دالا على المغايرة، وأما إذا لم يختلف فلا يجوز العطف هذا في الأسماء المفردة، وأما الجمل التي تقع صفة فهي أبعد من أن يجوز ذلك فيها، وقد ردوا على من ذهب إلى أن قول سيبويه، وأما ما جاء لمعنى وليس باسم ولا فعل هو على أن وليس باسم ولا فعل صفة لقوله لمعنى، وأن الواو دخلت في الجملة بأن ذلك ليس من كلام العرب مررت برجل ويأكل على تقدير الصفة. وأما قوله تعالى * (إلا ولها) * فالجملة حالية ويكفي ردا لقول الزمخشري: إنا لا نعلم أحدا من علماء النحو ذهب إلى ذلك، ولما أخبر تعالى عن مقالتهم واضطرابهم في عددهم أمره تعالى أن يقول * (قل ربى أعلم بعدتهم) * أي لا يخبر بعددهم إلا من يعلمهم حقيقة وهو الله تعالى * (ما يعلمهم إلا قليل) * والمثبت في حق الله تعالى هو الأعلمية وفي حق القليل العالمية فلا تعارض. قيل: من الملائكة. وقيل: من العلماء وعلم القليل لا يكون إلا بإعلام الله.
وقال ابن عباس: أنا من القليل، ثم نهاه تعالى عن الجدال فيهم أي في عدتهم، والمراء وسمي مراجعته لهم * (مرآء) * على سبيل المقابلة لمماراة أهل الكتاب له في ذلك، وقيده بقوله ظاهرا أي غير متعمق فيه وهو إن نقص عليهم ما أوحي إليك فحسب من غير تجهيل
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»