تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٦
زيد إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية انتهى. وقوله لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي ليس إجماعا، بل ذهب الكسائي وهشام، ومن أصحابنا أبو جعفر بن مضاء إلى أنه يجوز أن يعمل، وحجج الفريقين مذكورة في علم النحو.
والوصيد قال ابن عباس: الباب. وعنه أيضا وعن مجاهد وابن جبير: الفناء. وعن قتادة: الصعيد والتراب. وقيل: العتبة. وعن ابن جبير أيضا التراب. والخطاب في * (لو اطلعت) * لمن هو في قوله * (وترى الشمس) * * (وتحسبهم أيقاظا) *. وقرأ ابن وثاب والأعمش: * (لو اطلعت) * بضم الواو وصلا. وقرأ الجمهور: بكسرها، وقد ذكر ضمها عن شيبة وأبي جعفر ونافع وغلبة الرعب لما ألقى الله عليهم من الهيبة والجلال، فمن رام الاطلاع عليهم أدركته تلك الهيبة.
ومعنى * (لوليت منهم) * أعرضت بوجهك عنهم. وأوليتهم كشحك، وانتصب * (فرارا) * على المصدر إما لفررت محذوفة، وإما * (لوليت) * لأنه بمعنى لفررت، وإما مفعولا من أجله. وانتصب * (رعبا) * على أنه مفعول ثان، وأبعد من ذهب إلى أنه تمييز منقول من المفعول كقوله * (وفجرنا الارض عيونا) * على مذهب من أجاز نقل التمييز من المفعول، لأنك لو سلطت عليه الفعل ما تعدى إليه تعدى المفعول به بخلاف، * (وفجرنا الارض عيونا) * وقيل: سبب الرعب طول شعورهم وأظفارهم وصفرة وجوههم وتغيير أطمارهم. وقيل: لإظلام المكان وإيحاشه، وليس هذان القولان بشيء لأنهم لو كانوا بتلك الصفة أنكروا أحوالهم ولم يقولوا * (لبثنا يوما أو بعض يوم) * ولأن الذي بعث إلى المدينة لم ينكر إلا العالم والبناء لا حاله في نفسه، ولأنهم بحالة حسنة بحيث لا يفرق الرائي بينهم وبين الأيقاظ * (وهم فى فجوة) * تتخرقه الرياح والمكان الذي بهذه الصورة لا يكون موحشا. وقرأ ابن عباس، والحرميان، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة بتشديد اللام والهمزة. وقرأ باقي السبعة بتخفيف اللام والهمزة. وقرأ أبو جعفر وشيبة بتشديد اللام وإبدال الياء من الهمزة. وقرأ الزهري بتخفيف اللام والإبدال، وتقدم الخلاف في * (رعبا) * في آل عمران. وقرأ هنا بضم العين أبو جعفر وعيسى.
* (وكذالك بعثناهم ليتساءلوا بينهم قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما) *.
الكاف للتشبيه والإشارة بذلك. قيل إلى المصدر المفهوم من * (فضربنا علىءاذانهم) * أي مثل جعلنا إنامتهم هذه المدة الطويلة آية، جعلنا بعثهم آية. قاله الزجاج وحسنه الزمخشري. فقال: وكما أنمناهم تلك النومة * (كذالك * بعثناهم) * إذكارا بقدرته على الإماتة والبعث جميعا، ليسأل بعضهم بعضا ويتعرفوا حالهم وما صنع الله بهم، فيعتبروا ويستدلوا على عظم قدرة الله، ويزداد يقينا ويشكر وأما أنعم الله به عليهم وكرموا به انتهى. وناسب هذا التشبيه قوله تعالى حين أورد قصتهم أولا مختصرة * (فضربنا علىءاذانهم فى الكهف سنين عددا * ثم بعثناهم) *.
وقال ابن عطية: الإشارة بذلك إلى الأمر الذي ذكره الله في جهتهم والعبرة التي فعلها فيهم، واللام في * (ليتساءلوا) * لام الصيرورة لأن بعثهم لم يكن لنفس تساؤلهم انتهى. والقائل. قيل: كبيرهم مكلمينا. وقيل: صاحب نفقتهم تمليخا وكم سؤال عن العدد والمعنى كم يوما أقمتم نائمين، والظاهر صدور الشك من المسؤولين. وقيل: * (أو) * للتفضيل. قال بعضهم * (لبثنا يوما) *. وقال بعضهم * (بعض يوم) * والسائل أحس في خاطره طول نومهم ولذلك سأل. قيل: ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار، وجوابهم هذا مبني على غلبة الظن والقول بالظن الغالب لا يعد كذبا، ولما عرض لهم الشك في الإخبار ردوا علم لبثهم إلى الله تعالى.
وقال الزمخشري: * (قالوا ربكم أعلم بما لبثتم) * إنكار عليهم من
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»