العافية والكفاية، وقيل: الرضا بالقضاء، ذكرهما الماوردي. وقال الزمخشري: المؤمن مع العمل الصالح إن كان موسرا فلا مقال فيه، وإن كان معسرا فمعه ما يطيب عيشه، وهو القناعة والرضا بقسمة الله تعالى. والفاجر إن كان معسرا فلا إشكال في أمره، وإن كان موسرا فالحرص لا يدعه أن يتهنأ بعيشه. وقال ابن عطية: طيب الحياة للصالحين بانبساط نفوسهم ونيلها وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمر ملذ، وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومها عنهم، فإن انضاف إلى هذا مال حلال وصحة وقناعة فذاك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرنا راتب. وعاد الضمير في فلنحيينه على لفظة من مفردا، وفي ولنجزينهم على معناها من الجمع، فجمع. وروي عن نافع: وليجزينهم بالياء بدل النون، التفت من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة. وينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على فلنحيينه، فيكون من عطف جملة قسمية على جملة قسمية، وكلتاهما محذوفتان. ولا يكون من عطف جواب على جواب، لتغاير الإسناد، وإفضاء الثاني إلى إخبار المتكلم عن نفسه بإخبار الغائب، وذلك لا يجوز. فعلى هذا لا يجوز: زيد قلت والله لأضربن هندا ولينفينها، يريد ولينفيها زيد. فإن جعلته على إضمار قسم ثان جاز أي: وقال زيد لينفينها لأن، لك في هذا التركيب أن تحكى لفظه، وأن تحكى على المعنى. فمن الأول: * (وليحلفن * بالله إن أردنا إلا * الحسنى) * ومن الثاني: * (يحلفون بالله ما قالوا) * ولو جاء على اللفظ لكان ما قلنا.
* (فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون * وإذا بدلنآ ءاية مكان ءاية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون * قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين * ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذى يلحدون إليه أعجمى وهاذا لسان عربى مبين) *: لما ذكر تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شىء) * وذكر أشياء مما بين في الكتاب، ثم ذكر قوله: * (من عمل صالحا) * ذكر ما يصون به القارئ قراءته من وسوسة الشيطان ونزغه، فخاطب السامع بالاستعادة منه إذا أخذ في القراءة. فإن كان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم) لفظا فالمراد أمته، إذ كانت قراءة القرآن من أجل الأعمال الصالحة كما ورد في الحديث: * (ءان * ثواب * فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) * والظاهر بعقب الاستعاذة. وقد روى ذلك بعض الرواة عن حمزة، وروي عن ابن سيرين أنه قال: كلما قرأت الفاتحة حين تقول: آمين، فاستعذ. وروي عن أبي هريرة، ومالك، وداود. تعقبها القراءة كما روي عن حمزة والجمهور: على ترك هذا الظاهر وتأويله بمعنى: فإذا أردت القراءة. قال الزمخشري: لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة بغير فاصل وعلى حسبه، فكان بسبب قوى وملابسة ظاهرة كقوله: * (يأيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى) * وكقوله: (إذا أكلت فسم الله) وقال ابن عطية: فإذا وصلة بين الكلامين والعرب تستعملها في مثل هذا، وتقدير الآية: فإذا أخذت في قراءة القرآن فاستعذ، أمر بالاستعاذة. فالجمهور على الندب، وعن عطاء الوجوب. والظاهر: طلب الاستعاذة عند القراءة مطلقا، والظاهر: أن الشيطان المراد به إبليس وأعوانه. وقيل: عام في كل متمرد عات من جن وإنس، كما قال شياطين الإنس والجن. واختلف في كيفية الاستعاذة، والذي صار إليه الجمهور من القراء وغيرهم واختاروه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لما روى عبد الله بن مسعود، وأبو هريرة، وجبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم): (أنه استعاذ عند القراءة بهذا اللفظ بعينه) ونفى تعالى سلطان الشيطان عن المؤمنين. والسلطان هنا التسليط والولاية، والمعنى: أنهم لا يقبلون منه ولا يطيعونه فيما يريد منهم من اتباع خطواته كما قال تعالى: * (إن عبادى ليس لك عليهم سلطان) * وكما أخبر تعالى عنه