تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٦٦
والأقوات للتجارة وغيرها، وأسند الرؤية إلى المخاطب المفرد فقال: وترى، وجعلها جملة معترضة بين التعليلين: تعليل الاستخراج، وتعليل الابتغاء، لذلك عدل عن جمع المخاطب، والظاهر عطف، ولتبتغوا على التعليل قبله كما أشرنا إليه. وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفا على علة محذوفة أي: لتبتغوا بذلك. ولتبتغوا، وأن يكون على إضمار فعل أي: وفعل ذلك لتبتغوا. والفضل هنا حصول الأرباح بالتجارة، والوصول إلى البلاد الشاسعة، وفي هذا دليل على جواز ركوب البحر. ولعلكم تشكرون، على ما منحكم من هذه النعم. قيل: خلق الله اورض فجعلت تمور فقالت الملائكة: ما هي بمقر أحد على ظهرها، فأصبحت وقد أرسيت بالجيال، لم تدر الملائكة مم خلقت. وعطف وأنهارا على رواسي. ومعنى ألقى: جعل، ألا ترى إلى قوله: * (ألم نجعل الارض مهادا * والجبال أوتادا) * وقوله: وجعل فيها رواسي، من فوقها. وقال * (وألقيت عليك محبة منى) * أي: جعلت. وقال ابن عطية: قال المتأولون: ألقى بمعنى خلق وجعل، وهي عندي أخص من خلق وجعل، وذلك أن ألقى يقتضي أن الله أوجد الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن، عن قيس بن عباد: أن الله تعالى لما خلق الأرض جعلت تمور إلى آخر الكلام السابق، وهو أيضا مروي عن وهب بن منبه. وقال ابن عطية أيضا: وقوله: وأنهارا، منصوب بفعل مضمر تقديره: وجعل، أو خلق أنهار أو إجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ألقى، ولو كانت ألقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار انتهى. وأي إجماع في هذا، وقد حكى عن المتأولين أن ألقى بمعنى خلق وجعل، وقال الزمخشري: وأنهارا، وجعل فيها أنهارا لأن ألقى فيه معنى جعل. ألا ترى إلى قوله: * (ألم نجعل الارض مهادا * والجبال أوتادا) *. وقال أبو البقاء: أي وشق أنهارا وعلامات أي: وضع علامات، ويجوز أن يعطف على رواسي. وقال أبو عبد الله الرازي: ثبت في العلوم العقلية أن أكثر الأنهار إنما تتفجر منابعها في الجبال، فلهذا السبب أتبع ذكرها بتفجير الأنهار، وسبلا طرقا إلى مقاصدكم لعلكم تهتدون بالسبل إلى مقاصدكم، هذا هو الظاهر، ويدل عليه ما بعده. وقال تعالى: وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون. وقيل: تهتدون أي: بالنظر في دلالة هذه المصنوعات على صانعها، فهو من الهداية إلى الحق، ودين الله. وعلامات هي معالم الطرق، وكل ما يستدل به السابلة من جبل وسهل وغير ذلك قاله الزمخشري، وهو معنى قول ابن عباس. وقال أبو عبد الله الرازي: ورأيت جماعة يتعرفون الطرقات بشم التراب. وقال ابن عيسى: العلامة صورة يعلم بها ما يراد من خط أو لفظ أو إشارة أو هيئة. وقال ابن عطية: وعلامات نصب كالمصدر أي: فعل هذه الأشياء لعلكم تعتبرون بها، وعلامات أي: عبرة وإعلاما في كل سلوك، فقد يهتدي بالجبال وبالأنهار وبالسبل انتهى. وقال ابن الكلبي: العلامات الجبال. وقال النخعي ومجاهد: النجوم. وأغرب ما فسرت به العلامات أنها حيتان طوال رقاق كالحيات في ألوانها وحركاتها تسمى بالعلامات، وذلك في بحر الهند الذي يسار إليه من اليمن، فإذا ظهرت كانت علامة للوصول لبلاد الهند وأمارة للنجاة. وقرأ الجمهور: وبالنجم، على أنه اسم جنس، ويؤيد ذلك قراءة ابن وثاب: وبالنجم بضم النون والجيم، وقراءة الحسن: بضم النون. وفي اللوامح الحسن: النجم بضمتين، وابن وثاب: بضمة واحدة، وجاء كذلك عن ابن هشام الرفاعي، ولا شك في أنه يذكره عن أصحاب عاصم انتهى. وذلك جمع كسقف وسقف، ورهن وترهن، وجعله مما جمع على فعل أولى من حمله على أنه أراد النجوم ، فحذف الواو. إلا أن ابن عصفور ذكر أن قولهم: النجم من ضرورة الشعر، وأنشد:
(٤٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 461 462 463 464 465 466 467 468 469 470 471 ... » »»