الإيجاد ابتداء وجب أن يكون قادرا على الإعادة. وتقدم تفسير قوله تعالى: كن فيكون في البقرة، فأغنى عن إعادته. والظاهر أن اللام في لشيء وفي له للتبليغ، كقولك: قلت لزيد قم. وقال الزجاج: هي لام السبب أي: لأجل إيجاد شيء، وكذلك له أي لأجله. قال ابن عطية: وما في ألفاظ هذه الآية من معنى الاستقبال والاستئناف إنما هو راجع إلى المراد، لا إلى الإرادة. وذلك أن الأشياء المرادة المكونة في وجودها استئناف واستقبال، لا في إرادة ذلك، ولا في الأمر به، لأن ذينك قديمان. فمن أجل المراد عبر بإذا، ونقول: وأما قوله لشيء فيحتمل وجهين: أحدهما: أنه لما كان وجوده حتما جاز أن يسمى شيئا وهو في حالة عدم. والثاني: أن قوله لشيء تنبيه على الأمثلة التي ينظر فيها، وأن ما كان منها موجودا كان مرادا، وقيل له: كن فكان، فصار مثالا لما يتأخر من الأمور بما تقدم، وفي هذا مخلص من تسمية المعدوم شيئا انتهى. وفيه بعض تلخيص. وقال: إذا أردناه منزل منزلة مراد، ولكنه أتى بهذه الألفاظ المستأنفة بحسب أن الموجودات تجيء وتظهر شيئا بعد شيء، فكأنه قال: إذا ظهر المراد فيه. وعلى هذا الوجه يخرج قوله: * (فسيرى الله عملكم) * وقوله: * (ليعلم * الذين ءامنوا إذا) * ونحو هذا معناه يقع منكم ما أراد الله تعالى في الأزل وعلمه، وقوله: أن نقول، ينزل منزلة المصدر كأنه قال قولنا، ولكن أن مع الفعل تعطى استئنافا ليس في الصدر في أغلب أمرها، وقد تجيء في مواضع لا يلحظ فيها الزمن كهذه الآية. وكقوله تعالى: * (ومن ءاياته أن تقوم السماء والارض بأمره) * وغير ذلك انتهى. وقوله: ولكن أن مع الفعل يعني المضارع، وقوله: في أغلب أمرها ليس بجيد، بل تدل على المستقبل في جميع أمورها. وأما قوله: وقد تجيء إلى آخره، فلم يفهم ذلك من دلالة أن، وإنما ذلك من نسبة قيام السماء والأرض بأمر الله، لأن هذا لا يختص بالمستقبل دون الماضي في حقه تعالى. ونظيره * (إن الله كان على كل شىء * قديرا) * فكان تدل على اقتران مضمون الجملة بالزمن الماضي، وهو تعالى متصف بهذا الوصف ماضيا وحالا ومستقبلا، وتقييد الفعل بالزمن لا يدل على نفيه عن غير ذلك الزمن. والذين هاجروا قال قتادة: نزلت في مهاجري أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم). وقال داود بن أبي هند: في أبي جندل بن سهيل بن عمرو. وعن ابن عباس: في صهيب، وبلال، وخباب بن الأرت، وأضرابهم عذبهم المشركون بمكة، فبوأهم الله المدينة. وعلى هذا الاختلاف في السبب يتنزل المراد بقوله: والذين هاجروا. قال ابن عطية: لما ذكر الله كفار مكة الذين أقسموا بأن الله لا يبعث من يموت، ورد على قولهم ذكر مؤمني مكة المعاصرين لهم، وهم الذين هاجروا إلى أرض الحبشة، هذا قول الجمهور وهو الصحيح في سبب الآية، لأن هجرة المدينة ما كانت إلا بعد وقت نزول الآية انتهى. والذين هاجروا، عموم في المهاجرين كائنا ما كانوا، فيشمل أولهم وآخرهم. وقرأ الجمهور: لنبوأنهم، والظاهر انتصاب حسنة على أنه نعت لمصدر محذوف يدل عليه الفعل أي: تبوئة حسنة. وقيل: انتصاب حسنة على المصدر على غير الصدر، لأن معنى لنبوأنهم في الدنيا لنحسنن إليهم، فحسنة في معنى إحسانا. وقال أبو البقاء: حسنة مفعول ثان لنبوأنهم، لأن معناه لنعطينهم، ويجوز أن يكون صفة لمحذوف أي: دار حسنة انتهى. وقال الحسن، والشعبي، وقتادة: دارا حسنة وهي المدينة. وقيل: التقدير منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموا، وعلى العرب قاطبة، وعلى أهل المشرق والمغرب. وقال مجاهد: الرزق الحسن. وقال الضحاك: النصر على عدوهم. وقيل: ما استولوا عليه من فتوح البلاد وصار لهم فيها من الولايات. وقيل: ما بقي لهم فيها من الثناء، وما صار فيها لأولادهم من الشرف. وقيل: الحسنة كل شيء مستحسن ناله المهاجرون. وقرأ علي، وعبد الله، ونعيم بن ميسرة، والربيع بن خيثم: لنثوينهم بالثاء المثلثة، مضارع أثوى المنقول بهمزة التعدية من ثوى بالمكان أقام فيه، وانتصب حسنة على تقدير إثواة حسنة، أو على نزع الخافض
(٤٧٧)