ومن كل الثمرات، تنبيها على أن تفصيل القول في أجناسها وأنواعها وصفاتها ومنافعها مما لا يكاد يحصر، كما أن تفصيل ما خلق من باقي الحيوان لا يكاد يحصر. وختم ذلك تعالى بقوله: لآية لقوم يتفكرون، لأن النظر في ذلك يحتاج إلى فضل تأمل واستعمال فكر. ألا ترى أن الحبة الواحدة إذا وضعت في الأرض ومر عليها مقدار من الزمان معين لحقها من نداوة الأرض ما تنتفخ به، فينشق أعلاها فيصعد منه شجرة إلى الهواء، وأسفلها يغوص منه في عمق الأرض شجرة أخرى وهي العروق، ثم ينمو الأعلى ويقوى، وتخرج الأوراق والأزهار والأكمام، والثمار المشتملة على أجسام مختلفة الطبائع والطعوم والألوان والروائح والأشكال والمنافع، وذلك بتقدير قادر مختار وهو الله تعالى.
* وقرأ الجمهور: والشمس وما بعده منصوبا، وانتصب مسخرات على أنها حال مؤكدة إن كان مسخرات اسم مفعول، وهو إعراب الجمهور. وقال الزمخشري: ويجوز أن كون المعنى: أنه سخرها أنواعا من التسخير جمع مسخر بمعنى: تسخير من قولك: سخره الله مسخرا، كقولك: سرحه مسرحا، كأنه قيل: وسخرها لكم تسخيرات بأمره انتهى. وقرأ ابن عامر: والشمس وما بعده بالرفع على الابتداء والخبر، وحفص والنجوم مسخرات برفعهما، وهاتان القراءتان يبعدان قول الزمخشري إن مسخرات بمعنى تسخيرات. وقرأ ابن مسعود، والأعمش، وابن مصرف: والرياح مسخرات في موضع، والنجوم وهي مخالفة لسواد المصحف. والظاهر في قراءة نصب الجميع أن والنجوم معطوف على ما قبله. وقال الأخفش: والنجوم منصوب على إضمار فعل تقديره: وجعل النجوم مسخرات، فأضمر الفعل. وعلى هذا الإعراب لا تكون مسخرات حالا مؤكدة، بل مفعولا ثانيا لجعل إن كان جعل المقدرة بمعنى صير، وحالا مبينة إن كان بمعنى خلق. وتقدم شرح تسخير هذه النيرات في الأعراف. وجمع الآيات هنا، وذكر العقل، وأفرد فيما قبل، وذكر التفكر لأن فيما قبل استدلالا بإثبات الماء وهو واحد وإن كثرت أنواع النبات، والاستدلال هنا متعدد، ولأن الآثار العلوية أظهر دلالة على القدرة الباهرة، وأبين شهادة للكبرياء والعظمة. وما درأ معطوف على الليل والنهار يعني: ما خلق فيها من حيوان وشجر وثمر وغير ذلك مختلفا ألوانه من البياض والسواد وغير ذلك. وقيل: مختلفا ألوانه أصنافه كما تقول: هذه ألوان من الثمر ومن الطعام. وقيل: المراد به المعادن. إن في ذلك أي: فيما ذرأ على هذه الحال من اختلاف الألوان، أو إن في ذلك أي: اختلاف الألوان. وختم هذا بقوله: يذكرون، ومعناه الاعتبار والاتعاظ، كان علمهم بذلك سابق طرأ عليه النسيان فقيل: يذكرون أي: يتذكرون ما نسوا من تسخير هذه المكونات في الأرض.
* (وهو الذى سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله) *: لما ذكر تعالى الاستدلال بما ذرأ في الأرض، ذكر ما امتن به من ستخير البحر. ومعنى تسخيره: كونه يتمكن الناس من الانتفاع به للركوب في المصالح، وللغوص في استخراج ما فيه، وللاصطياد لما فيه. والبحر جنس يشمل الملح والعذب، وبدأ أولا من منافعه بما هو الأهم وهو الأكل، ومنه على حذف مضاف أي: لتأكلوا من حيوانه طريا، ثم ثنى بما يتزين به وهو الحلية من اللؤلؤ والمرجان، ونبه على غاية الحلية وهو اللبس. وفيه منافع غير اللبس، فاللحم الطري من الملح والعذب، والحلية من الملح. وقيل: إن العذب يخرج منه لؤلؤ لا يلبس إلا قليلا وإنما يتداوى به، ويقال: إن في الزمرد بحريا، فأما لتأكلوا فعام في النساء والرجال، وأما تلبسونها فخاص بالنساء. والمعنى: يلبسها نساؤكم. وأسند اللبس إلى الذكور، لأن النساء إنما يتزين بالحلية من أجل رجالهن، فكأنها زينتهم ولباسهم. ولما ذكر تعالى نعمة الأكل منه والاستخراج للحلية، ذكر نعمة تصرف الفلك فيه ماخرة أي: شاقة فيه، أو ذات صوت لشق الماء لحمل الأمتعة