والظاهر أن قوله: إن صراط، بدل من قوله إلى النور، ولا يضر هذا الفصل بين المبدل منه والبدل، لأن بإذن معمول للعامل في المبدل منه وهو لتخرج. وأجاز الزمخشري أن يكون إلى صراط على وجه الاستئناف، كأنه قيل: إلى أي نور، فقيل: إلى صراط العزيز الحميد. وقرئ: ليخرج مضارع خرج بالياء بنقطتين من تحتها، والناس رفع به. ولما كان قوله: إلى النور، فيه إبهام ما أوضحه بقوله: إلى صراط. ولما تقدم شيئان أحدهما إسناد إنزال هذا الكتاب إليه. والثاني إخراج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ناسب ذكر هاتين الصفتين صفة العزة المتضمنة للقدرة والغلبة وذلك من حيث إنزال الكتاب، وصفة الحمد المتضمنة استحقاقه الحمد من حيث الإخراج من الظلمات إلى النور، إذ الهداية إلى الإيمان هي النعمة التي يجب على العبد الحمد عليها والشكر. وتقدمت صفة العزيز، لتقدم ما دل عليها، وتليها صفة الحميد لتلو ما دل عليها. وقرأ نافع وابن عامر الله بالرفع فقيل: مبتدأ محذوف أي: هو الله. وهذا الإعراب أمكن لظهور تعلقه بما قبله، وتفلته على التقدير الأول. وقرأ باقي السبعة والأصمعي عن نافع: الله بالجر على البدل في قول ابن عطية، والحوفي، وأبي البقاء. وعلى عطف البيان في قول الزمخشري قال: لأنه جرى مجرى الأسماء الأعلام لغلبته واختصاصه بالمعبود الذي يحق له العبادة، كما غلب النجم على الثريا انتهى. وهذا التعليل لا يتم إلا على تقدير: أن يكون أصله الإله، ثم نقلت الحركة إلى لام التعريف وحذفت الهمزة، والتزم فيه النقل والحذف، ومادته إذ ذاك الهمزة واللام والهاء، وقد تقدمت الأقوال في هذا اللفظ في البسملة أول الحمد. وقال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور: لا تقدم صفة على موصوف إلى حيث سمع وذلك قليل، وللعرب فيما وجد من ذلك وجهان: أحدهما: أن تقدم الصفة وتبقيتها على ما كانت عليه، وفي إعراب مثل هذا وجهان: أحدهما: إعرابه نعتا مقدما، والثاني: أن يجعل ما بعد الصفة بدلا. والوجه الثاني: أن تضيف الصفة إلى الموصوف إذا قدمتها انتهى. فعلى هذا الذي ذكره ابن عصفور يجوز أن يكون العزيز الحميد يعربان صفتين متقدمتين، ويعرب لفظ الله موصوفا متأخرا. ومما جاء فيه تقديم ما لو تأخير لكان صفة، وتأخير ما لو تقدم لكان موصوفا قول الشاعر:
* والمؤمنم العائذات الطير يمسحها * ركبان مكة بين الغيل والسعد * فلو جاء على الكثير لكان التركيب: والمؤمن الطير العائذات، وارتفع ويل على الابتداء، وللكافرين خبره. لما تقدم ذكره الظلمات دعا بالهلكة على من لم يخرج منها، ومن عذاب شديد في موضع الصفة لويل. ولا يضر الفصل والخبر بين الصفة والموصوف، ولا يجوز أن يكون متعلقا بويل لأنه مصدر ولا يجوز الفصل بين المصدر وما يتعلق به بالخبر. ويظهر من كلام الزمخشري أنه ليس في موضع الصفة. قال: فإن قلت: ما وجه اتصال قوله من عذاب شديد بالويل؟ قلت: لأن المعنى أنهم يولون من عذاب شديد ويضجون منه، ويقولوزن يا ويلاه كقوله: * (دعوا هنالك ثبورا) * انتهى. وظاهره يدل على تقديره عامل يتعلق به من عذاب شديد، ويحتمل هذا العذاب أن يكون واقعا بهم في الدنيا، أو واقعا بهم في الآخرة. والاستحباب الإيثار والاختيار، وهو استفعال من المحبة، لأن المؤثر للشيء على غيره كأنه يطلب من نفسه يكون أحب إليها وأفضل عندها من الآخر. ويجوز أن يكون استفعل بمعنى أفعل كاستجاب وأجاب، ولما ضمن معنى الإيثار عدي بعلى. وجوزوا في إعراب الذين أن يكون مبتدأ خبره أولئك في ضلال بعيد، وأن يكون معطوفا على الذم، إما خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين، وإما منصوبا بإضمار فعل تقديره أذم، وأن يكون بدلا، وأن يكون صفة للكافرين. ونص على هذا الوجه الأخير الحوفي والزمخشري وأبو البقاء، وهو لا يجوز، لأن فيه الفصل بين الصفة والموصوف بأجنبي منهما وهو قوله: من عذاب شديد،