وعن قتادة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم)، مدحهم الله تعالى بأنهم يسرون بما أنزل إليك من أمر الدين. وعن مجاهد، والحسن، وقتادة: أن المراد بأهل الكتاب جميعهم يفرحون بما أنزل من القرآن، إذ فيه تصديق كتبهم، وثناء على أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم الذين هم على دين موسى وعيسى عليهما السلام. وضعف هذا القول بأن همهم به أكثر من فرحهم، فلا يعتد بفرحهم. وأيضا فإن اليهود والنصارى ينكرون بعضه، وقد قذف تعالى بين الذين ينكرون بعضه وبين الذين آتيناهم الكتاب. والأحزاب قال مجاهد: هم اليهود، والنصارى، والمجوس. وقالت فرقة: هم أحزاب الجاهلية من العرب. وقال مقاتل: الأحزاب بنو أمية، وبنو المغيرة، وآل أبي طلحة. ولما كان ما أنزل إليه يتضمن عبادة الله ونفي الشريك، أمر بجواب المنكرين، فقيل له: قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به، فإنكاركم لبعض القرآن الذي أنزل لعبادة الله وتوحيده، وأنتم تدعون وجوب العبادة ونفي الشريك إليه، ادعوا إلى شرعه ودينه، وإليه مرجعي عند البعث يوم القيامة في جميع أحوالي في الدنيا والآخرة. وقرأ أبو جليد عن نافع: ولا أشرك بالرفع على القطع أي: وأنا لا أشرك به. وجوز أن يكون حالا أي: أن أعبد الله غير مشرك به. وكذلك أي: مثل إنزالنا الكتاب على الأنبياء قبلك، لأن قوله: والذين آتيناهم الكتاب، يتضمن إنزاله الكتاب، وهذا الذي أنزلناه هو بلسان العرب، كما أن الكتب السابقة بلسان من نزلت عليه: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * وأراد بالحكم أنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم. وقال ابن عطية: وقوله وكذلك المعنى: كما يسرنا لهؤلاء الفرح ولهؤلاء الإنكار لبعض كذلك أنزلناه حكما عربيا انتهى. وانتصب حكما على الحال من ضمير النصب في أنزلناه، والضمير عائد على القرآن، والحكم ما تضمنه القرآن من المعاني. ولما كانت العبارة عنه بلسان العرب نسبه إليها. ولئن اتبعت: الخطاب لغير الرسول صلى الله عليه وسلم)، لأنه معصوم من اتباع أهوائهم. وقال الزمخشري: هذا من باب الإلهاب والتهييج والبعث للسامعين على الثبات في الدين والتصلب فيه. أن لا يزال زال عند الشبه بعد استمساكه بالحجة، وإلا فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم) من شدة الشكيمة بمكان.
* (ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتى بئاية إلا بإذن الله لكل) *: قال الكلبي: عيرت اليهود الرسول صلى الله عليه وسلم) وقالوا: ما ترى لهذا الرجل همة إلا النساء والنكاح، ولو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء، فنزلت هذه الآية. قيل: وكانوا يقترحون عليه الآيات وينكرون النسخ، فرد الله تعالى عليهم بأن الرسل قبله كانوا مثله ذوي أزواج وذرية، وما كان لهم أن يأتوا بآيات برأيهم، ولا يأتون بما يقترح عليهم. ومن الشرائع مصالح تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلكل وقت حكم يكتب فيه على العباد أي: يفرض عليهم ما يريده تعالى. وقوله: لكل أجل كتاب، لفظ عام في الأشياء التي لها آجال، لأنه ليس منها شيء إلا وله أجل في بدئه وفي خاتمته، وذلك الأجل مكتوب محصور. وقال الضحاك والفراء: المعنى لكل كتاب أجل، ولا يجوز ادعاء القلب إلا في ضرورة الشعر وأما هنا فالمعنى في غاية الصحة بلا عكس ولا قلب بل ادعاء القلب هنا لا يصح المعنى عليه، إذ ثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية كالجنة ونعيم أهلها، لا أجل لها. والظاهر أن المحو عبارة عن النسخ من الشرائع والأحكام، والإثبات عبارة عن دوامها وتقريرها وبقائها أي: يمحو ما يشاء محوه، ويثبت ما يشاء إثباته. وقيل: هذا عام في الرزق والأجل والسعادة والشقاوة، ونسب هذا إلى: عمر، وابن مسعود، وأبي وائل، والضحاك، وابن جريج، وكعب الأحبار، والكلبي. وروي عن عمر، وابن مسعود، وأبي وائل في دعائهم ما معناه: أن يتأول على أن المعنى: إن كنت أشقيتنا بالمعصية فامحها عنا بالمغفرة. ومعلوم أن الشقاء والسعادة والرزق والخلق والأجل لا يتغير شيء منها. وقال ابن عباس: يمحو الله ما يشاء من أمور عباده إلا السعادة والشقاوة والآجال، فإنه لا محو فيها. وقال الحسن وفرقة: هي آجال بني آدم تكتب في ليلة القدر.