تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٣
في الكرة الأولى، فأهمل أمرهم ولم يحتفل بهم لسوء صنيعهم في يوسف. وقيل: نهاهم خشية أن يستراب بهم لقول يوسف: أنتم جواسيس. وقيل: طمع فافتراقهم أن يتسمعوا خبر يوسف، ثم نفى عن نفسه أن يغني عنهم شيئا يعني: بوصاته، إن الحكم إلا لله أي: هو الذي يحكم وحده وينفذ ما يريد، فعليه وحده توكلت. ومن حيث أمرهم أبوهم أي: من أبواب متفرقة. روي أنهم لما ودعوا أباهم قال لهم: بلغوا ملك مصر سلامي وقولوا له: إن أبانا يصلي عليك، ويدعو لك، ويشكر صنيعك معنا. وفي كتاب أبي منصور المهراني: أنه خاطبة بكتاب قرىء على يوسف فبكى. وجواب لما قوله: ما كان يغني عنهم من الله من شيء، وفيه حجة لمن زعم أن لما حرف وجوب لوجوب لا، ظرف زمان بمعنى حين، إذ لو كانت ظرف زمان ما جاز أن تكون معمولة لما بعد ما النافية. لا يجوز حين قام زيد ما قام عمرو، ويجوز لما قام زيد ما قام عمرو، فدل ذلك على أن لما حرف يترتب جوابه على ما بعده. وقال ابن عطية: ويجوز أن يكون جواب لما محذوفا مقدرا، ثم يخبر عن دخولهم أنه ما كان يغني. ومعنى الجملة: لم يكن في دخولهم متفرقين دفع قدر الله الذي قضاه عليهم من تشريفهم وافتضاحهم بذلك، وأخذ أخيهم بوجدان الصاع في رحله، وتزايد مصيبته على أبيهم، بل كان إربا ليعقوب قضاه وتطييبا لنفسه. وقيل: معنى ما كان يغني عنهم من الله من شيء، ما يرد عنهم قدرا لأنه لو قضى أن يصيبهم عين لإصابتهم متفرقين أو مجتمعين، وإنما طمع يعقوب أن تصادف وصيته قدر السلامة، فوصى وقضى بذلك حاجة نفسه في أن بقي يتنعم برجائه أن يصادف وصيته القدر في سلامتهم. وإنه لذو علم يعني لقوله: إن الحكم إلا لله، وما بعده وعلمه بأن القدر لا يدفعه الحذر. وهذا ثناء من الله على يعقوب عليه السلام. وقال قتادة: لعامل بما علمناه. وقال سفيان: من لا يعمل لا يكون عالما، ولفظة ذو وعلم لا تساعده على هذا التفسير وإن كان صحيحا في نفسه. وقرأ الأعمش: مما علمناه.
2 (* (ولما دخلوا على يوسف آوىإليه أخاه قال إنىأنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جآء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الا رض وما كنا سارقين * قالوا فما جزآؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذالك نجزى الظالمين * فبدأ بأوعيتهم قبل وعآء أخيه ثم استخرجها من وعآء أخيه كذالك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه فى دين الملك إلا أن يشآء الله نرفع درجات من نشآء وفوق كل ذى علم عليم * قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف فى نفسه ولم يبدها لهم قال أنتم شر مكانا والله أعلم بما
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»