تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٥
المصدر، ولذلك يستوي فيه المذكر والمؤنث والمفرد والجمع. وأحرضه المرض فهو محرض قال:
* أرى المرء كالأزواد يصبح محرضا * كأحراض بكر في الديار مريض * وقال الآخر:
* إني امرؤ لج بي حب فأحرضني * حتى بليت وحتى شفني السقم وقال: رجل حرض بضمتين كجنب وشلل.
* * (ولما دخلوا على يوسف اوى إليه أخاه قال إنى أنا أخوك فلا تبتئس بما كانوا يعملون * فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون * قالوا وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون * قالوا نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم * قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد فى الارض وما كنا سارقين * قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين * قالوا جزؤه من وجد فى رحله فهو جزاؤه كذالك نجزى الظالمين) *: روى أنهم قالوا له: هذا أخونا قد جئناك به، فقال: أحسنتم وأصبتم، وستجدون ذلك عندي، فأنزلهم وأكرمهم، ثم أضافهم، وأجلس كل اثنين منهم على مائدة، فبقي بنيامين وحده فبكى وقال: لو كان أخي يوسف حيا لأجلسني معه. فقال يوسف: بقي أخوكم وحيدا، فأجلسه معه على مائدته، وجعل يؤاكلهم وقال: أنتم عشرة، فلينزل كل اثنين منكم بيتا، وهذا لا ثاني له فيكون معي، فبات يوسف يضمه إليه ويشم رائحته حتى أصبح، وسأله عن ولده فقال: لي عشرة بنين اشتققت أسماءهم من اسم أخ لي هلك، فقال له: أتحب أن أكون أخاك بدل أخيك الهالك؟ قال: من يجد أخا مثلك، ولكن لم يلدك يعقوب ولا راحيل، فبكى يوسف وقام إليه وعانقه وقال له: أنا أخوك يوسف فلا تبتئس، فلا تحزن بما كانوا يعملون بنا فيما مضى، فإن الله قد أحسن إلينا وجمعنا على خير، ولا تعلمهم بما أعلمتك. وعن ابن عباس: تعرف إليه أنه أخوه، وهو الظاهر. وهو قول ابن إسحاق وغيره، أعلمه أنه أخوه حقيقة واستكتمه، وقال له: لا تبالي بكل ما تراه من المكروه في تحيلي في أخذك منهم. قال ابن عطية: وعلى هذا التأويل يحتمل أن يشير بقوله: بما كانوا يعملون إلى ما يعمله فتيان يوسف من أمر السقاية ونحو ذلك انتهى. ولا يحتمل ذلك لأنه لو كان التركيب بما يعملون بغير كانوا، لأمكن على بعده، لأن الكلام إنما هو مع أخوة يوسف. وأما ذكر فتيانه فبعيد جدا، لأنهم لم يتقدم لهم ذكر إلا في قوله: وقال لفتيانه، وقد حال بينهما قصص. واتسق الكلام مع الأخوة اتساقا لا ينبغي أن يعدل عن الضمير عائد إليهم، وأن ذلك إشارة إلى ما كان يلقى منهم قديما من الأذى، إذ قد أمن من ذلك باجتماعه بأخيه يوسف. وقال وهب: إنما أخبر أنه أخوه في الود مقام أخيه الذاهب، ولم يكشف إليه الأمر، بل تركه تجوز عليه الحيلة كسائر إخوته.
والظاهر أن الذي جعل السقاية في رحل أخيه هو يوسف، ويظهر من حيث كونه ملكا أنه لم يباشر ذلك بنفسه، بل جعل غيره من فتيانه، أو غيرهم أن يجعلها. وتقدم قول وهب: إنه لم يكشف له أنه أخوه، وأنه تركه تجوز عليه الحيلة. وروي أنه قال ليوسف: أنا لا أفارقك قال: قد علمت اغتمام والدي، فإذا حبستك ازداد غمه، ولا سبيل إلى ذلك إلا أن أنسبك إلى ما لا يحمل. قال؛ لا أبالي، فافعل ما بدا لك. قال: فإني أدس صاعي في رحلك، ثم أنادي
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»