تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٤٦
نضرة تسر أهلها.
وقرأ الحسن وقتادة: كأن لم يغن بالياء على التذكير. فقيل: عائد على المضاف المحذوف الذي هو الزرع، حذف وقامت هاء التأنيث مقامه في قوله: عليها، وفي قوله: أتاها فجعلناها. وقيل: عائد على الزخرف، والأولى عوده على الحصيد أي: كأن لم يغن الحصيد. وكان مروان بن الحكم يقرأ على المنبر: كأن لم تتغن بتائين مثل تتفعل. وقال الأعشى: طويل الثواء طويل التغني، وهو من غنى بكذا أقام به. قال الزمخشري: والأمس مثل في الوقت. كأنه قيل: كأن لم تغن آنفا انتهى. وليس الأمس عبارة عن مطلق الوقت، ولا هو مرادف كقوله: آنفا، لأن آنفا معناه الساعة، والمعنى: كأن لم يكن لها وجود فيما مضى من الزمان. ولولا أن قائلا قال في غير القرآن كأن لم يكن لها وجود الساعة لم يصح هذا المعنى، لأنه لا وجود لها الساعة، فكيف تشبه وهي لا وجود لها حقيقة بما لا وجود لها حقيقة؟ إنما يشبه ما انتفى وجوده الآن بما قدر انتفاء وجوده في الزمان الماضي، لسرعة انتقاله من حالة الوجود إلى جالة العدم، فكان حالة الوجود ما سبقت له. وفي مصحف أبي: كأن لم تغن بالأمس، وما كنا لنهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير نفصل الآيات، رواه عنه ابن عباس. وقيل في مصحفه: وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها. وفي التحرير: وكان أبو سلمة بن عبد الرحمن يقرأ في قراءة أبي كأن لم تغن بالأمس، وما أهلكناها إلا بذنوب أهلها، ولا يحسن أن يقرأ حد بهذه القراءة لأنها مخالفة لخط المصحف الذي أجمع عليه الصحابة والتابعون انتهى. كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون أي: مثل هذا التفصيل الذي فصلناه في الماضي، نفصل في المستقبل. وقرأ أبو الدرداء: لقوم يتذكرون بالذال بدل الفاء.
* (والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) *: لما ذكر مثل الحياة الدنيا وما يؤول إليه من الفناء والاضمحلال، وما تضمنه من الآفات والعاهات، ذكر تعالى أنه داع إلى دار السلامة والصحة والأمن، وهي الجنة، إذ أهلها سالمون من كل مكروه. ويجوز أن يكون تعالى أضافها إلى اسمه الشريف على سبيل التعظيم لها والتشريف كما قيل: بيت الله، وناقة الله، ويجوز أن تكون مضافة إلى السلامة بمعنى التسليم لفشو ذلك بينهم، ولتسليم الملائكة عليهم كما قال: * (لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما * إلا قيلا سلاما سلاما) *. قال الحسن: إن السلام لا ينقطع عن أهل الجنة وهو تحيتهم كما قال تعالى: * (تحيتهم فيها سلام) * وقد وردت في دعوة الله عباده أحاديث. وقال قتادة: ذكر لنا أن في التوراة مكتوبا يا باغي الخير هلم، ويا باغي الشر انته. ولما كان الدعاء عاما لم تتقيد بالمشيئة، ولما كانت الهداية خاصة تقيدت بالمشيئة فقال: ويهدي من يشاء. وقال الزمخشري: ويهدي يوفق من يشاء، وهم الذين علم أن اللطف يجدي عليهم، لأن مشيئته تابعة لحكمته.
2 (* (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولائك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيئات جزآء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من اليل مظلما أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون * ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركآؤكم فزيلنا بينهم وقال شركآؤهم
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»