تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٩٠
على سبيل التوبيخ لهم أي من هذه صفاته هو الذي يتخذ وليا وناصرا ومعينا لا الآلهة التي لكم، إذ هي لا تنفع ولا تضر لأنها بين جماد أو حيوان مقهور، ودخلت همزة الاستفهام على الاسم دون الفعل لأن الإنكار في اتخاذ غير الله وليا لا في اتخاذ الولي كقولك لمن ضرب زيدا وهو ممن لا يستحق الضرب بل يستحق الإكرام أزيدا ضربت، تنكر عليه أن كون مثل هذا يضرب ونحو، * (أفغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون) * * (والله * أذن لكم) * وقال الطبري: وغيره أمر أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم، فتجيء الآية على هذا جوابا لكلامهم، انتهى. وهذا يحتاج إلى سند في أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكره وانتصاب غير على أنها مفعول أول لاتخذ. وقرأ الجمهور * (فاطر) * فوجهه ابن عطية والزمخشري ونقلها الحوفي على أنه نعت لله، وخرجه أبو البقاء على أنه بدل وكأنه رأى أن الفضل بين المبدل منه والبدل أسهل من الفصل بين المنعوت والنعت، إذ البدل على المشهور هو على تكرار العامل وقرأ ابن أبي عبلة برفع الراء على إضمار هو. قال ابن عطية: أو على الابتداء؛ انتهى. ويحتاج إلى إضمار خبر ولا دليل على حذفه وقرئ شاذا بنصب الراء وخرجه أبو البقاء على أنه صفة لولي على إرادة التنوين أو بدل منه أو حال، والمعنى على هذا أأجعل * (فاطر * السماوات والارض) * غير الله، انتهى. والأحسن نصبه على المدح. وقرأ الزهري فطر جعله فعلا ماضيا.
* (وهو يطعم ولا يطعم) * أي يرزق ولا يرزق كقوله: * (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) * والمعنى أن المنافع كلها من عند الله، وخص الإطعام من بين أنواع الانتفاعات لمس الحاجة إليه كما خص الربا بالأكل وإن كان المقصود الانتفاع بالربا. وقرأ مجاهد وابن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو وفي رواية عنه * (ولا يطعم) * بفتح الياء والمعنى أنه تعالى منزه عن الأكل ولا يشبه المخلوقين. وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة * (ولا يطعم) * بضم الياء وكسر العين مثل الأول فالضمير في * (وهو يطعم) * عائد على الله وفي * (ولا يطعم) * عائد على الولي. وروى ابن المأمون عن يعقوب * (وهو يطعم ولا يطعم) * على بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل والضمير لغير الله، وقرأ الأشهب: * (وهو يطعم ولا يطعم) * على بنانهما للفاعل وفسر بأن معناه وهو يطعم ولا يستطعم، وحكى الأزهري أطعمت بمعنى استطعمت. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى وهو يطعم تارة ولا يطعم أخرى على حسب المصالح، كقولك هو يعطي ويمنع ويبسط ويقدر ويغني ويفقر، وفي قراءة من قرأ باختلاف الفعلين تجنيس التشكيل وهو أن يكون الشكل فرقا بين الكلمتين وسماه أسامة بن منقذ في بديعته تجنيس التحريف، وهو بتجنيس التشكيل أولى.
* (قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم) * قال الزمخشري: لأن النبي سابق أمته في الإسلام كقوله * (وبذالك أمرت وأنا أول المسلمين) * وكقول موسى * (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * قال ابن عطية: المعنى أول من أسلم من هذه الأمة وبهذه الشريعة، ولا يتضمن من الكلام إلا ذلك وهذا الذي قاله الزمخشري وابن عطية هو قول الحسن. قال الحسن: معناه أول من أسلم من أمتي. قيل: وفي هذا القول نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم) لم يصدر منه امتناع عن الحق وعدم انقياد إليه، وإنما هذا على طريق التعريض على الإسلام كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يتبعه بقوله أنا أول من يفعل ذلك ليحملهم على فعل ذلك. وقيل: أراد الأولية في الرتبة والفضيلة كما جاء نحن الآخرون الأولون وفي رواية السابقون. وقيل: * (أسلم) * أخلص ولم يعدل بالله شيئا. وقيل: استسلم. وقيل: أراد دخوله في دين إبراهيم عليه السلام كقوله: ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»