مبتدأ محذوف أي هذا كتاب و * (ذكرى) * هو مصدر ذكر بتخفيف الكاف وجوزوا فيه أن يكون مرفوعا عطف على كتاب أو خبر مبتدأ محذوف أي وهو ذكرى، والنصب على المصدر على إضمار فعل معطوف على * (لتنذر) * أي وتذكر ذكرى أو على موضع لتنذر لأن موضعه نصب فيكون إذ ذاك معطوفا على المعنى كما عطفت الحال على موضع المجرور في قوله دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ويكون مفعولا من أجله وكما تقول جئتك للإحسان وشوقا إليك، والجر على موضع الناصبة * (لتنذر) * المنسبك منها ومن الفعل مصدر التقدير لإنذارك به وذكرى. وقال قوم: هو معطوف على الضمير من به وهو مذهب كوفي وتعاور النصب والجر هو على معنى وتذكير مصدر ذكر المشدد. وقال أبو عبد الله الرازي: النفوس قسمان جاهلة غريقة في طلب اللذات الجسمانية وشريفة مشرقة بالأنوار الإلهية، مستشعرة بالحوادث الروحانية فبعثت الأنبياء والرسل في حق القسم الأول للإنذار والتخويف لما غرقوا في بحر الغفلة ورقدة الجاهلية احتاجوا إلى موقظ ومنبه، وفي حق القسم الثاني لتذكير وتنبيه لأن هذه النفوس بمقتضى جواهرها الأصلية مستشعرة بالانجذاب إلى عالم القدس والاتصال بالحضرة الصمدية إلا أنه ربما غشيها من غواشي عالم الحس فيعرض نوع ذهول فإذا سمعت دعوة الأنبياء واتصل بها أرواح رسل الله تذكرت مركزها وأبصرت منشأها واشتاقت إلى ما حصل هناك من الروح والراحة والريحان. فثبت أنه تعالى إنما أنزل الكتاب على رسوله ليكون إنذار في حق طائفة، وذكرى في حق أخرى وهو كلام فلسفي خارج عن كلام المتشرعين وهكذا. كلام هذا الرجل أعاذنا الله منه.
* (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) * لما ذكر تعالى أن هذا الكتاب أنزل إلى الرسول أمر الأمة باتباعه وما أنزل إليكم يشمل القرآن والسنة لقوله * (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى) * ونهاهم عن ابتغاء أولياء من دون الله كالأصنام والرهبان والكهان والأحبار والنار والكواكب وغير ذلك والظاهر أن الضمير في * (من دونه) * عائد على * (ربكم) *. وقيل على ما وقيل على الكتاب والمعنى لا تعدلوا عنه إلى الكتب المنسوخة. وقيل أراد بالأولياء الشياطين شياطين الجن والإنس وإنهم الذين يحملون على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلون عن دين الله. وقرأ الجحدري: ابتغوا من الإبتغاء. وقرأ مجاهد ومالك بن دينار. ولا تبتغوا من الابتغاء أيضا والظاهر أن الخطاب هو لجميع الناس. وقال الطبري وحكاه: التقدير * (قل * اتبعوا) * فحذف القول لدلالة الإنذار المتقدم الذكر عليه وانتصب * (قليلا) * على أنه نعت لمصدر محذوف و * (ما) * زائدة أي يتذكرون تذكرا قليلا أي حيث يتركون دين الله ويتبعون غيره وأجاز الحوفي أن يكون نعتا لمصدر محذوف والناصب له ولا تتبعوا أي اتباعا قليلا. وحكى ابن عطية عن الفارسي: إن * (ما) * موصولة بالفعل وهي مصدرية انتهى. وتمم غيره هذا الإعراب بأن نصب قليلا على أنه نعت لظرف محذوف أي زمانا قليلا نذكركم أخبر أنهم لا يدعون الذكر إنما يعرض لهم في زمان قليل وما يذكرون في موضع رفع على أنه مبتدأ والظرف قبله في موضع الخبر وأبعد من ذهب إلى أن * (ما) * نافية. وقرأ حفص والإخوان * (تذكرون) * بتاء واحدة وتخفيف الذال، وقرأ ابن عامر * (يتذكرون) * بالياء والتاء وتخفيف الذال، وقرأ باقي السبعة بتاء الخطاب وتشديد الذال وقرأ أبو الدرداء وابن عباس وابن عامر في رواية بتاءين، وقرأ مجاهد بياء وتشديد الذال.
* (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون) * * (كم) * هنا خبرية التقدير وكثير من القرى أهلكناها وأعاد الضمير في أهلكناها على معنى كم وهي في موضع رفع بالابتداء وأهلكناها جملة في موضع الخبر وأجازوا أن تكون في موضع نصب بإضمار فعل يفسره أهلكناها تقديره وكم من قرية أهلكناها ولا بد في الآية من تقدير محذوف مضاف لقوله أو هم قائلون فمنهم من قدره وكم من أهل قرية ومنهم من قدره أهلكنا أهلها وينبغي أن يقدر عند قوله * (فجاءها) * أي فجاء أهلها لمجيء الحال من أهلها بدليل أو هم قائلون لأنه يمكن إهلاك القرى بالخسف والهدم وغير ذلك فلا ضرورة تدعو إلى حذف