تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٥
كقولك على التمرة مثلها زبدا لأن المعنى أو قدر ذلك صياما.
* (ليذوق وبال أمره) * الذوق معروف واستعير هنا لما يؤر من غرامة وأتعاب النفس بالصوم والوبال سوء عاقبة ما فعل وهو هتك حرمة الإحرام بقتل الصيد، قال الزمخشري ليذوق متعلق بقوله * (فجزاء) * أي فعليه أن يجازى أو يكفر ليذوق انتهى. وهذا لا يجوز إلا على قراءة من أضاف * (فجزاء) * أو نون ونصب * (مثل) * وأما على قراءة من نون ورفع * (مثل) * فلا يجوز أن تتعلق اللام به لأن * (مثل) * صفة لجزاء وإذا وصف المصدر لم يجز لمعموله أن يتأخر عن الصفة لو قلت أعجبني ضرب زيد الشديد عمرا لم يجز فإن تقدم المعمول على الوصف جاز ذلك والصواب أن تتعلق هذه القراءة بفعل محذوف التقدير جوزي بذلك ليذوق ووقع لبعض المعربين أنها تتعلق بعدل ذلك وهو غلط.
* (عفا الله عما سلف) * أي في جاهليتكم من قتلكم الصيد في الحرم.
قال الزمخشري لأنهم كانوا متعبدين بشرائع من قبلهم، وكان الصيد فيها محرما انتهى، وقال ابن زيد: عما سلف لكم أيها المؤمنون من قتل الصيد قبل هذا النهي والتحريم.
* (ومن عاد فينتقم الله منه) * أي ومن عاد في الإسلام إلى قتل الصيد فإن كان مستحلا فينتقم الله منه في الآخرة ويكفر أو ناسيا لإحرامه كفر بإحدى الخصال الثلاث أو عاصيا بأن يعود متعمدا عالما بإحرامه فلا كفارة عليه وينتقم الله منه بإلزام الكفارة فقط وكلما عاد فهو يكفر. وقال ابن عباس: إن كان متعمدا عالما بإحرامه فلا كفارة عليه وينتقم الله منه. وبه قال شريح والنخعي والحسن ومجاهد وابن زيد وداود وظاهر و * (من * عاد) * لعموم ألا ترى أن * (من) * شرطية أو موصولة تضمنت معنى الشرط فتعم خلافا لقوم إذ زعموا أنها مخصوصة بشخص بعينه وأسندوا إلى زيد بن العلاء أن رجلا أصاب صيدا وهو محرم فتجوز له ثم عاد فأرسل الله عليه نارا فأحرقته وذلك قوله تعالى: * (ومن عاد فينتقم الله منه) * وعلى تقدير صحة هذا الحديث لا تكون هذه القضية تخص عموم الآية إذ هذا الرجل فرد من أفراد العموم ظهر انتقام الله منه والفاء في * (فينتقم) * جواب الشرط أو الداخلة على الموصول المضمن معنى الشرط وهو على إضمار مبتدأ أي فهو ينتقم الله منه.
* (والله عزيز ذو انتقام) * أي عزيز لا يغالب إذا أراد أن ينتقم لم يغالبه أحد، وفي هذه الجملة تذكار بنقم الله وتخويفا.
* (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة) * قال الكلبي: نزلت في بني مدلج وكانوا ينزلون في أسياف البحر سألوا عما نضب عنه الماء من السمك فنزلت، والبحر هنا الماء الكثير الواسع وسواء في ذلك النهر والوادي والبركة والعين لا يختلف الحكم في ذلك. وقيل المراد بالبحر هنا البحر الكبير، وعليه يدل سبب النزول، وما عداه محمول عليه. وأما طعامه فروي عن أبي بكر وعمر وابن
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»