تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢١
* (فمن اعتدى بعد ذالك) * المعنى فمن اعتدى بالمخالفة فصاد وذلك إشارة إلى النهي الذي تضمنه معنى الكلام السابق وتقديره فلا يصيدوا يدل عليه قوله * (ليعلم الله من يخافه بالغيب) *.
* (فله عذاب أليم) * قيل في الآخرة. وقيل في الدنيا. قال ابن عباس يوسع بطنه وظهره جلدا ويسلب ثيابه.
* (أليم ياأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * الذين آمنوا عام وصرح هنا بالنهي عن قتل الصيد في حال كونهم حرما والحرم جمع حرام والحرام المحرم والكائن بالحرم، ومن ذهب إلى أن اللفظ يراد به معناه استدل بقوله وأنتم حرم على منع المحرم والكائن بالحرم من قتل الصيد ومن لم يذهب إلى ذلك، قال المعنى يحرمون بحج أو عمرة وهو قول الأكثر. وقيل المعنى وأنتم في الحرم والظاهر النهي عن قتل الصيد وتكون الآية قبل هذه دلت بمعناها على النهي عن الاصطياد فيستفاد من مجموع الآيتين النهي عن الاصطياد والنهي عن قتل الصيد والظاهر عموم الصيد وقد خص هذا العموم بصيد البر لقوله: * (أحل لكم صيد البحر) *. وقيل وبالسنة بالحديث الثابت خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الغراب والحدأة والفأرة والكلب العقور فاقتصر على هذه الخمسة الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وقاس مالك على الكلب العقور كل ما كلب على الناس وغيرهم ورآه داخلا في لفظه من أسد ونمر وفهد وذئب وكل سبع عاد فقال له أن يقتلها مبتدئا بها لا هزبر وثعلب وضبع فإن قتلها فدى. وقال مجاهد والنخعي لا يقتل من السباع إلا ما عدا عليه وروي نحوه عن ابن عمر. وقال أصحاب الرأي أن بدأه بالسبع قتله ولا فدية وإن ابتدأه المحرم فقتله فدى. وقال مالك في فراخ السباع قبل أن تفترس لا ينبغي للمحرم قتلها، وثبت عن عمر أمره المحرمين بقتل الحيات وأجمع الناس على إباحة قتلها وثبت عن عمر إباحة قتل الزنبور لأنه في حكم العقرب وذوات السموم في حكم الحية كالأفعى والرتيلا ومذهب أبي حنيفة وجماعة أن الصيد هو ما توحش مأكولا كان أو غير مأكول. فعلى هذا لو قتل المحرم سبعا لا يؤكل لحمه ضمن ولا يجاوز قيمة شاة، وقال زفر بالغا ما بلغ، وقال قوم الصيد هو ما يؤكل لحمه فعلى هذا لا يجب الضمان في قتل السبع وهو قول الشافعي ولا في قتل الفواسق الخمس ولا الذئب وإذا كان الصيد مما حل أكله فقتله المحرم ولو بالذبح فمذهب أبي حنيفة ومالك أنه غير مذكى فلا يؤكل لحمه وبه قال ابن المسيب وأحد قولي الحسن ومذهب الشافعي إن ذبح المحرم الصيد ذكاه، وقال الحكم وعمرو بن دينار وسفيان يحل للحلال أكله وهو أحد قولي الحسن.
* (ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم) * الظاهر تقييد القتل بالعمد فمن لم يتعمد فقتل خطأ بأن كان ناسيا لإحرامه أو رماه ظانا أنه ليس بصيد فإذا هو صيد أو عدل سهمه الذي رماه لغير صيد فأصاب صيدا فلا جزاء عليه، وروي ذلك عن ابن عباس وابن جبير وطاوس وعطاء
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»