تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧
منه وأنه لا يقع التمتيع إلا بالمأكول منه طريا وقديدا وعلى مذهب غيره يجوز أن يكون مفعولا له باعتبار صيد البحر وطعامه، والخطاب في لكم لحاضري البحر ومدنه والسيارة المسافرون وقال مجاهد: الخطاب لأهل القرى والسيارة، أهل الأمصار وهذا الاختلاف في أنه يستوي فيه المقيم والمسافر والبادي والحاضر والطري والمملوح.
* (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * حرم الله تعالى الصيد على المحرم بقوله * (يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا وإذا حللتم فاصطادوا) * وبقوله * (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) * بهذه الآية وكرر ذلك تغليظا لحكمه والظاهر تحريم صيد البر على المحرم من جميع الجهات صيد ولكل من صيد من أجله أو من غير أجله. وروي ذلك عن علي وابن عباس، وابن عمر وطاوس وابن جبير وأبي الشعثاء والثوري وإسحاق وعن أبي هريرة وعطاء وابن جبير أنهم أجازوا للمحرم أكل ما صاده الحلال لنفسه أو لحلال مثله، وقال آخرون يحرم على المحرم أن يصيد فأما إن اشتراه من مالك له فذبحه وأكله فلا يحرم وفعل ذلك أبو سلمة بن عبد الرحمن، وقال مالك والشافعي وأصحابهما وأحمد: يأكل ما صاده الحلال إن لم يصده لأجله فإن صيد من أجله فلا يأكل فإن أكل، فقال مالك: عليه الجزاء وبه قال الأوزاعي والحسن بن صالح وقال الشافعي لا جزاء عليه. وقال أبو حنيفة وأصحابه أكل المحرم الصيد جائز إذا اصطاده الحلال ولم يأمر المحرم بصيده ولا دل عليه، وقال الزمخشري: (فإن قلت): ما يصنع أبو حنيفة بعموم قوله صيد البر، (قلت): قد أخذ أبو حنيفة بالمفهوم من قوله * (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) * لأن ظاهره أنه صيد المحرمين دون صيد غيرهم فكأنه قيل وحرم عليكم ما صدتم في البحر فيخرج منه مصيد غيرهم ومصيدهم حين كانوا غير محرمين ويدل عليه قوله تعالى: * (أليم ياأيها الذين ءامنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) *. انتهى. وهذه مكابرة من الزمخشري في الظاهر بل الظاهر في قوله صيد البر العموم سواء صاده المحرم أم الحلال. وقرأ ابن عباس و * (حرم) * مبنيا للفاعل و * (صيد) * بالنصب * (ما دمتم حرما) * بفتح الحاء والراء. وقرأ يحيى * (ما دمتم) * بكسر الدال وهي لغة يقال دمت تدام ولا خلاف في أن ما لا زوال له من البحر أنه صيد بحر ومن البر أنه صيد بر واختلف فيما يكون في أحدهما وقد يحيا في الآخر، فقال عطاء وابن جبير وأبو مجلز ومالك وغيرهم: هو من صيد البر إن قتله المحرم فداه. وذكر أبو مجلز من ذلك الضفدع والسلحفاة والسرطان، وروي عن عطاء أنه يراعي أكثر عيشه وسئل عن ابن الماء أصيد بر أم بحر، فقال حيث يكون أكثر فهو منه وحيث يفرخ منه وهو قول أبي حنيفة والصواب في ابن ماء أنه صيد طائر يرعى ويأكل الحب. وقال الحفظ أبو بكر بن العربي الصحيح المنع من الحيوان الذي يكون في البر والبحر لأنه تعارض فيه دليل تحريم ودليل تحليل فيغلب دليل التحريم احتياطا.
* (واتقوا الله الذى إليه تحشرون) * هذا فيه تنبيه وتهديد وجاء عقيب تحليل وتحريم وذكر الحشر هذ فيه يظهر من أطاع وعصى.
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»