ثوابا ولا تخاف عقابا ولا تفهم خطابا؛ انتهى. ومن ذهب هذا المذهب تأول حديث أبي هريرة على معنى التمثيل في الحساب والقصاص حتى يفهم كل مكلف أنه لا بد له منه ولا محيص وأنه العدل المحض. قال ابن عطية: والقول في الأحاديث المتضمنة أن الله يقتص للجماء من القرناء، أنها كناية عن العدل وليست بحقيقة قول مرذول ينحو إلى القول بالرموز ونحوها؛ انتهى.
وقال ابن فورك: القول بحشرها مع بني آدم أظهر؛ انتهى. وعلى القول بحشر البهائم مع الناس اختلفوا في المعنى الذي تحشر لأجله، فذهب أهل السنة أنها لإظهار القدرة على الإعادة وفي ذلك تخجيل لمن أنكر ذلك فقال: من يحيي العظام وهي رميم؟ وقالت المعتزلة: يحشر الله البهائم والطير لإيصال الإعواض إليها وكذلك قال الزمخشري، فيعوضهما وينصف بعضها من بعض كما روي أنه يأخذ للجماء من القرناء؛ انتهى. وطول المعتزلة في إيصال التعويض عن آلام البهائم وضررها وأن ذلك واجب على الله تعالى. وفرعوا فروعا واختلفوا في العوض أهو منقطع أم دائم؟ فذهب القاضي وأكثر معتزلة البصرة إلى أنه منقطع فبعد توفية العوض يجعلها ترابا، وقال أبو القاسم البلخي: يجب كون العوض دائما. وقيل: تدخل البهائم الجنة وتعوض عن ما نالها من الآلام وكل ما قالته المعتزلة مبناه على أن الله تعالى يجب عليه إيصال الإعواض إلى البهائم عن الآلام التي حصلت لها في الدنيا، ومذهب أهل السنة أن الإيجاب على الله تعالى محال.
* (والذين كذبوا باياتنا صم وبكم فى الظلمات) * قال النقاش: نزلت في بني عبد الدار ثم انسحبت على سواهم؛ انتهى. ومناسبة هذه لما قبلها أنه لما تقدم قوله: * (إنما يستجيب الذين يسمعون) * أخبر أن المكذبين بالآيات صم لا يسمعون من ينبههم، فلا يستجيب أحد منهم ولما كان قوله: * (وما من دابة) * الآية منبها على عظيم قدرة الله تعالى ولطيف صنعه وبديع خلقه، ذكر أن المكذب بآياته هو أصم عن سماع الحق أبكم عن النطق به، والآيات هنا القرآن أو ما ظهر على يدي الرسول من المعجزات أو الدلائل والحجج ثلاثة أقوال والإخبار عنهم بقوله: * (صم وبكم فى الظلمات) * الظاهر أنه استعارة عن عدم الانتفاع الذهني بهذه الحواس لا أنهم * (صم وبكم فى الظلمات) * حقيقة وجاء قوله: * (فى الظلمات) * كناية عن عمي البصيرة، فهو ينظر كقوله: * (صم بكم عمى) * لكن قوله: * (فى الظلمات) * أبلغ من قوله: * (عمى) * إذ جعلت ظرفا لهم وجمعت لاختلاف جهات الكفر، كما قيل في قوله: * (وجعل الظلمات والنور) * على أحد الأقوال وفي قوله: * (يخرجونهم من النور إلى الظلمات) *. وقال الجبائي: الإخبار عنهم بأنهم * (صم وبكم فى الظلمات) * حقيقة وذلك يوم القيامة يجعلهم صما وبكما في الظلمات يضلهم بذلك عن الجنة ويصيرهم إلى النار، ويعضد هذا التأويل قوله تعالى: * (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم) * الآية. وقال الكعبي: * (صم وبكم) * محمول على الشتم والإهانة على أنهم كانوا كذلك في الحقيقة؛ انتهى. والظلمات ظلمات الكفر أو حجب تضرب على القلب فيظلم وتحول بينه وبين نور الإيمان، أو ظلمات يوم القيامة ومنه قيل: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا أو الشدائد لأن العرب كانت تعبر عن الشدة بالظلمة يقولون يوم مظلمة إذا لقوا فيه شدة ومنه قوله:
* بني أسد هل تغلمون بلاءنا * إذا كان يوم ذو كواكب مظلم * أربعة أقوال: رابعها قاله الليث. * (من يشإ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم) *