تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٣١
ولا أتكرمه، بل إذا جاء الاستفهام جوابا للشرط لم يكن إلا بما يصح وقوعه بعد الفاء لا قبلها هكذا نقله الأخفش عن العرب، ولا يجوز أيضا من وجه آخر لأنا قد قررنا إن أرأيتك متعد إلى اثنين أحدهما في هذه الآية محذوف وأنه من باب التنازع والآخر وقعت الجملة الاستفهامية موقعة فلو جعلتها جوابا للشرط لبقيت * (أرأيتكم) * متعدية إلى واحد، وذلك لا يجوز وأيضا التزام العرب في الشرط الجائي بعد أرأيت مضى الفعل دليل على أن جواب الشرط محذوف، لأنه لا يحذف جواب الشرط إلا عند مضي فعله قال تعالى: * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله) * * (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) * * (قل أرءيتم إن أتاكم عذابه بياتا) * * (قل أرأيتم إن جعل الله) * * (أفرأيت إن متعناهم سنين) * * (أرءيت إن كذب وتولى * ألم يعلم) * إلى غير ذلك من الآيات، وقال الشاعر:
أرأيت إن جاءت به أملودا وأيضا فمجيء الجمل الاستفهامية مصدرة بهمزة الاستفهام دليل على أنها ليست جواب الشرط، إذ لا يصح وقوعها جوابا للشرط.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): إن علقت الشرطية يعني بقوله: * (غير الله) * فما تصنع بقوله: * (فيكشف ما تدعون إليه) * مع قوله: * (أو أتتكم الساعة) * وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين. (قلت): قد اشترط في الكشف المشيئة وهو قوله: إن شاء إيذانا بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه؛ انتهى. وهذا مبني على أنه يجوز أن يتعلق الشرط بقوله * (أغير الله) * وقد استدل للفاعل أن ذلك لا يجوز وتلخص في جواب الشرط أقوال:.
أحدها: أنه مذكور وهو * (أرأيتكم) * المتقدم والآخر أنه مذكور وهو * (أغير الله تدعون) *.
والثالث: أنه محذوف تقديره من تدعون.
والرابع: أنه محذوف تقديره دعوتم الله، هذا ما وجدنا منقولا والذي نذهب إليه غير هذه الأقوال وهو أن يكون محذوفا لدلالة * (أرأيتكم) * عليه وتقديره * (إن أتاكم عذاب الله) * فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه، كما تقول: أخبرني عن زيد إن جاءك ما تصنع به؟ التقدير إن جاءك فأخبرني فحذف الجواب لدلالة أخبرني عليه، ونظير ذلك أنت ظالم إن فعلت التقدير فأنت ظالم فحذف فأنت ظالم وهو جواب الشرط لدلالة ما قبله عليه، وهذا التقدير الذي قدرناه هو الذي تقتضيه قواعد العربية و * (غير الله) * عنى به الأصنام التي كانوا يعبدونها، وتقديم المفعول هنا بعد الهمزة يدل على الإنكار عليهم دعاء الأصنام إذ لا ينكر الدعاء إنما ينكرأن الأصنام تدعي كما تقول: أزيدا تضرب لا تنكر الضرب ولكن تنكر أن يكون محله زيدا. قال الزمخشري: بكتهم بقوله: * (أغير الله تدعون) * بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضر أم تدعون الله دونها؟ انتهى. وقدره بمعنى أتخصون لأن عنده تقديم المفعول مؤذن بالتخصيص والحصر، وقد تكلمنا فيما سبق في ذلك وأنه لا يدل على الحصر والتخصيص، وهذه الآية عند علماء البيان من باب استدراج المخاطب وهو أن يلين الخطاب ويمزجه بنوع من التلطف والتعطف حتى يوقع المخاطب في أمر يعترف به فتقوم الحجة عليه، والله تعالى خاطب هؤلاء الكفار بلين من القول وذكر لهم أمرا لا ينازعون فيه وهو أنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله لا غيره وجواب * (إن كنتم صادقين) * محذوف تقديره إن كنتم صادقين في دعواكم إن غير الله إله فهل تدعونه لكشف ما يحل بكم من العذاب؟.
* (بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»