تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ١٢٩
انتهى. ولا يضطر إلى هذا التأويل الذي ذكره بل إذا حل بالإنسان العذاب واستمر عليه لا يدعو إلا الله وقوله: لأن ما صح حلوله ومضى لا يصح كشفه ليس كما ذكر، لأن العذاب الذي يحل بالإنسان هو جنس منه ما مر وانقضى فذلك لا يصح كشفه ومنه ما هو ملتبس بالإنسان في الحال فيصح كشفه وإزالته بقطع الله ذلك عن الإنسان، وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى: * (وإذا مس الإنسان الضر دعانا) * لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه فما انقضى من الضر الذي مسه لا يصح كشفه، وما هو ملتبس به كشفه الله تعالى فالضر جنس كما أن العذاب هنا جنس. وقال مقاتل: عذاب الله هو العذاب الذي كان يأتي الأمم الخالية. وقال ابن عباس: هو الموت ويعني والله أعلم مقدماته من الشدائد والجمهور على أن * (الساعة) * هي القيامة وأرأيت الهمزة فيها للاستفهام فإن كانت البصرية أو التي لإصابة الرئة أو العلمية الباقية على بابها لم يجز فيها إلا تحقيق الهمزة أو تسهيلها بين بين ولا يجوز حذفها، وتختلف التاء باختلاف المخاطب ولا يجوز إلحاق الكاف بها وإن كانت العلمية التي هي بمعنى أخبرني جاز أن تحقق الهمزة، وبه قرأ الجمهور في * (أرأيتكم) * وأرأيتم وأرأيت وجاز أن تسهل بين بين وبه قرأ نافع وروي عنه إبدالها ألفا محضة ويطول مدها لسكونها وسكون ما بعدها، وهذا البدل ضعيف عند النحويين إلا أنه قد سمع من كلام العرب حكاه قطرب وغيره وجاز حذفها وبه قرأ الكسائي وقد جاء ذلك في كلام العرب. قال الراجز:
أريت إن جاءت به أملودا بل قد زعم الفراء أنها لغة أكثر العرب، قال الفراء: للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان أحدهما أن تسأل الرجل أرأيت زيدا أي بعينك فهذه مهموزة، وثانيهما أن تقول: أرأيت وأنت تقول أخبرني فيها هنا تترك الهمزة إن شئت وهو أكثر كلام العرب تومىء إلى ترك الهمزة للفرق بين المعنيين؛ انتهى. وإذا كانت بمعنى أخبرني جاز أن تختلف التاء باختلاف المخاطب وجاز أن تتصل بها الكاف مشعرة باختلاف المخاطب، وتبقى التاء مفتوحة كحالها للواحد المذكر ومذهب البصريين أن التاء هي الفاعل وما لحقها حرف يدل على اختلاف المخاطب وأغنى اختلافه عن اختلاف التاء ومذهب الكسائي أن الفاعل هو التاء وإن أداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول، ومذهب الفراء أن التاء هي كهي في أنت وإن أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل، استعيرت ضمائر النصب للرفع والكلام على هذه المذاهب إبدالا وتصحيحا مذكور في علم النحو، وكون أرأيت وأرأيتك بمعنى أخبرني نص عليه سيبويه والأخفش والفراء والفارسي وابن كيسان وغيرهم. وذلك تفسير معنى لا تفسير إعراب قالوا: فتقول العرب أرأيت زيدا ما صنع فالمفعول الأول ملتزم فيه النصب، ولا يجوز فيه الرفع على اعتبار تعليق أرأيت وهو جائز في علمت ورأيت الباقية على معنى علمت المجردة من معنى أخبرني لأن أخبرني لا تعلق، فكذلك ما كان بمعناها والجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني. قال سيبويه: وتقول أرأيتك زيدا أبو من هو وأرأيتك عمرا أعندك هو أم عند فلان لا يحسن فيه إلا النصب في زيد ألا ترى أنك لو قلت أرأيت أبو من أنت وأرأيت أزيد ثم أم فلان، لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد. ثم قال سيبويه: وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني وقد اعترض كثير من النحاة على سيبويه وخالفوه، وقالوا: كثيرا ما تعلق أرأيت وفي القرآن من ذلك كثير منه * (قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون) *
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»