* (وقالوا لولا نزل عليه ءاية من ربه) * قال ابن عباس نزلت في رؤساء قريش سألوا الرسول آية تعنتا منهم، وإلا فقد جاءهم بآيات كثيرة فيها مقنع انتهى.
والضمير في وقالوا عائد على الكفار، ولولا تحضيض بمعنى هلا.
* (قل إن الله قادر على أن ينزل ءاية) * أي مهما سألتموه من إنزال آية الله قادر على ذلك. كما أنزل الآيات السابقة فلا فرق في تعلق القدرة بالآيات المقترحة على سبيل التعنت والآيات التي لم تقترح وقد اقترحتم آيات كانشقاق القمر فلم تجد عليكم ولا أثرت فيكم، وقلتم هذا سحر مستمر ولم تعتدوا بما أنزل مع كثرته حتى كأنه لم ينزل شيء من الآيات، لأن دأبكم العناد في آيات الله.
وقال الزمخشري على أن ينزل آية يضطرهم إلى الإيمان كنتق الجبل على بني إسرائيل أو آية أن يجحدوها جاءهم العذاب.
* (ولاكن أكثرهم لا يعلمون) * أن الله قادر على أن ينزل تلك الآية وإن صارفا من الحكمة صرفه عن إنزالها.
وقال ابن عطية لا يعلمون أنها لو أنزلت ولم يؤمنوا لعوجلوا بالعذاب، ويحتمل لا يعلمون أن الله تعالى إنما جعل المصلحة في آيات معرضة للنظر والتأمل ليهتدي قوم ويضل آخرون انتهى. والذي يظهر لا يعلمون نفى عنهم العلم حيث فرقوا بين تعلق القدرة بالآيات التي نزلت وبين تعلقها بالآيات المقترحة وتعلق القدرة بهما سواء لاجتماع المقترح وغير المقترح في الإمكان، فمن فرق بين المتماثلات ولم يقنع بما ورد منها فهو لا شك جاهل.
* (وما من دابة فى الارض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) * قال ابن الأنباري وموضع الاحتجاج من هذه الآية أن الله ركب في المشركين عقولا وجعل لهم أفهاما ألزمهم بها أن يتدبروا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم)، كما جعل للدواب والطير أفهاما يعرف بها بعضها إشارة بعض، وهدى الذكر منها لإتيان الأنثى، وفي ذلك دليل على نفاذ قدرة المركب ذلك فيها.
وقال ابن عطية: المعنى في هذه الآية التنبيه على آيات الله الموجودة في أنواع مخلوقاته.
وقال الزمخشري: فإن قلت: فما الغرض في ذكر ذلك؟ قلت: الدلالة على عظم قدرته ولطف علمه وسعة سلطانه وتدبيره تلك الخلائق المتفاوتة الأجناس المتكاثرة الأصناف، وهو لما لها وما عليها مهيمن على أحوالها لا يشغله شأن عن شأن، وأن المكلفين ليسوا مخصوصين بذلك دون من عداهم من سائر الحيوان انتهى.
والذي يظهر أنه تعالى لما حكى عن هؤلاء قولهم * (لولا نزل عليه ءاية من ربه) * ولم يعتبروا ما نزل من الآيات وأجيبوا بأن القدرة صالحة لإنزال آية وهي التي اقترحتموها ونبهوا على جهلهم حيث فرقوا بين آية وآية أخبروا أنهم أنفسهم وجميع الحيوان غيرهم متماثلون في تعلق القدرة الإلهية بالجميع، فلا فرق بين خلق من كلف وما لم يكلف في تعلق القدرة بهما وإبرازهما من صرف العدم إلى صرف الوجود، فكأنه قيل القدرة تعلقت بالآيات كلها مقترحها وغير مقترحها كما تعلقت بخلقكم وخلق سائر الحيوان، فالإمكان هو الجامع بين كل ذلك؛ ولذلك قال تعالى: * (إلا أمم أمثالكم) * يعني في تعلق القدرة بإيجادها كتعلقها بإيجادكم. وكذلك الآيات. وفي ذلك إشارة إلى أن الآيات الواردة على أيدي الأنبياء عليهم السلام قد تكون باختراع أعيان، كالماء الذي نبع من بين الأصابع والطعام الذي تكثر من قليل، كما أن المخلوقات هي أعيان مخترعة لله تعالى، وكأن النسبة بمماثلة الحيوان للإنسان دون ذكر الجماد ودون ذكر ما يعمها من حيث قوة المماثلة في الشعور بالأشياء والاهتداء إلى كثير من المصالح بخلاف الجماد، وإن كانت القدرة متعلقة بجميع المخلوقات ودابة تقدم شرحها، وهي هنا في سياق النفي مصحوبة بمن التي تفيد استغراق الجنس، فهي عامة تشمل كل ما يدب فيندرج فيها الطائر، فذكر الطائر بعد ذكر الدابة تخصيص بعد تعميم وذكر بعض من كل وصار من باب التجريد كقوله: * (وجبريل وميكال) * بعد ذكر الملائكة