تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٥٥
العدل والسواء من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والإحن، فبدىء فيها بالقيام لله تعالى أولا لأنه أردع للمؤمنين، ثم أردف بالشهادة بالعدل فالتي في معرض المحبة والمحاباة بدىء فيه بما هو آكد وهو القسط، وفي معرض العداوة والشنآن بدىء فيها بالقيام لله، فناسب كل معرض بما جيء به إليه. وأيضا فتقدم هناك حديث النشوز والإعراض وقوله: * (ولن تستطيعوا أن تعدلوا) * وقوله: * (فلا جناح عليهما أن) * فناسب ذكر تقديم القسط، وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط، وتعدية يجرمنكم بعلى إلا أن يضمن معنى ما يتعدى بها، وهو خلاف الأصل.
* (تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) * أي: العدل نهاهم أولا أن تحملهم الضغائن على ترك العدل ثم أمرهم ثانيا تأكيدا، ثم استأنف فذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله: هو أقرب للتقوى، أي: أدخل في مناسبتها، أو أقرب لكونه لطفا فيها. وفي الآية تنبيه على مراعاة حق المؤمنين في العدل، إذ كان تعالى قد أمر بالعدل مع الكافرين.
* (واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) * لما كان الشنآن محله القلب وهو الحامل على ترك العدل أمر بالتقوى، وأتى بصفة خبير ومعناها عليم، ولكنها تختص بما لطف إدراكه، فناسب هذه الصفة أن ينبه بها على الصفة القلبية.
* (وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * لما * ذكر * تعالى * تالله إن كدت لتردين * ولولا نعمة ربى لكنت من المحضرين * أفما نحن بميتين * إلا موتتنا الاولى وما نحن بمعذبين * إن هاذا لهو الفوز العظيم * لمثل هاذا فليعمل العاملون * أذالك خير نزلا أم شجرة الزقوم * إنا جعلناها فتنة للظالمين * إنها شجرة تخرج فى أصل الجحيم * طلعها كأنه رءوس الشياطين * فإنهم لاكلون منها فمالئون منها البطون * ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم * ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم * إنهم ألفوا ءاباءهم ضالين * فهم علىءاثارهم يهرعون * ولقد ضل قبلهم أكثر الاولين * ولقد أرسلنا فيهم منذرين * فانظر كيف كان عاقبة المنذرين * إلا عباد الله المخلصين * ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم * وجعلنا ذريته هم الباقين * وتركنا عليه فى الاخرين * سلام على نوح فى العالمين) * كأنه قيل: وعدهم هذا القول، وإذا وعدهم من لا يخلف اليمعاد فقد وعدهم مضمونه من المغفرة والأجر العظيم، وهذا القول يتلقونه عند اتلموت ويوم القيامة، فيسرون ويستريحون إليه، وتهون عليهم السكرات والأهوال قبل الوصول إلى التراب انتهى. وهي تقادير محتملة، والأول أوجهها. * (والذين كفروا وكذبوا بئاياتنا أولائك أصحاب الجحيم) * لما ذكر ما لمن آمن، ذكر ما لمن كفر. وفي المؤمنين جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع، فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به، متشوفة إلفيه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق. وفي الكافرين جاءت الجملة اسمية دالة على ثبوت هذا الحكم لهم، وأنهم أصحاب النار، فهم دائمون في عذاب، إذ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم، ولم يأت بصورة الوعيد، فكان يكون الرجاء لهم في ذلك.
* (الجحيم
(٤٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»