تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٤٣٤
(لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر) فمر بسرح بالمدينة فاستاقه، فلما قدم مكة عام الحديبية أراد أهل السرح أن يغيروا عليه، واستأذنوا الرسول، فنزلت. وقال السدي: اسمه الحطيم بن هند البلدي أحد بني ضبيعة، وأراد الرسول أن يبعث إليه ناسا من أصحابه فنزلت. وقال ابن زيد: نزلت بمكة عام الفتح وحج المشركون واعتمروا فقال المسلمون: يا رسول الله إن هؤلاء مشركون فلن ندعهم إلا أن نغير عليهم، فنزل القرآن.
* (ولا الشهر الحرام ولا) * والشعائر جمع شعيرة أو شعار، أي: قد أشعر الله أنها حده وطاعته، فهي بمعنى معالم الله، وتقدم تفسيرها في * (إن الصفا والمروة من شعائر الله) *. قال الحسن: دين الله كله يعني شرائعه التي حدها لعباده، فهو عام في جميع تكاليفه تعالى. وقال ابن عباس: ما حرم عليكم في حال الإحرام. وقال أيضا هو ومجاهد: مناسك الحج. وقال زيد بن أسلم: شعائر الحج وهي ست: الصفا والمروة، والبدن، والجمار، والمشعر الحرام، وعرفة، والركن. وقال أيضا: المحرمات خمس: الكعبة الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام، حتى يحل. وقال ابن الكلبي: كان عامة العرب لا يعدون الصفا والمروة ومن الشعائر، وكانت قريش لا تقف بعرفات، فنهوا عن ذلك. وقيل: الأعلام المنصوبة المتفرقة بين الحل والحرم نهوا أن يتجاوزوها إلى مكة بغير إحرام. وقال أبو عبيدة: هي الهدايا تطعن في سنامها وتقلد. قال: ويدل عليه * (والبدن جعلناها لكم من شعائر الله) * وضعف قوله، بأنه قد عطف عليه. والهدى والقلائد. وقيل: هي ما حرم الله مطلقا سواء كان في الإحرام أو غيره. وقال الزمخشري: هي ما أشعر أي جعل إشعارا وعلما للنسك من مواقف الحج ومرامي الجمار والطواف والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر انتهى.
* (ولا * والمسجد الحرام) * الظاهر أنه مفرد معهود. فقال الزمخشري: هو شهرالحج. وقال عكرمة وقتادة: هو ذو القعدة من حيث كان أول الأشهر الحرم. وقال الطبري وغيره: رجب. ويضاف إلى مضر لأنها كانت تحرم فيه القتال وتعظمه، وتزيل فيه السلاح والأسنة من الرماح. وكانت العرب مجمعة على تعظيم ذي القعدة وذي الحجة، ومختلفة في رجب، فشدد تعالى أمره. فهذا وجه التخصيص بذكره. وقيل: الشهر مفرد محلى بأل الجنسية، فالمراد به عموم الأشهر الحرم وهي: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب. والمعنى: لا تحلوا بقتال ولا غارة ولا نهب. قال مقاتل: وكان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كل يوم فيقول: ألا إني قد حللت كذا وحرمت كذا.
* (ولا الهدى) * قال ابن عطية: لا خلاف أن الهدى ما هدى من النعم إلى بيت الله، وقصد به القربة، فأمر تعالى ى أن لا يستحل، ولا يغار عليه انتهى. والخلاف عن المفسرين فيه موجود. قيل: هو اسم لما يهدى إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة أو صدقة، وغيرها من الذبائح والصدقات. وقيل: هو ما قصد به وجه الله ومنه في الحديث: ثم (كالمهدي دجاجة، ثم كالمهدي بيضة) فسمى هذه هديا. وقيل: الشعائر البدن من الأنعام، والهدى البقر والغنم والثياب وكل ما أهدي. وقيل: الشعائر ما كان مشعرا بإسالة الدم من سنامه أو بغيره من العلائم، والهدي ما لم يشعر اكتفى فيه بالتقليد. وقال من فسر الشعائر بالمناسك، ذكر الهدى
(٤٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 439 ... » »»