في صورة حال الآيسين من الرحمة التي هي أغلظ الأحوال، وأشدها. ألا ترى أن الموت على الكفر إنما يخاف من أجل اليأس من الرحمة؟ انتهى كلامه.
وقرأ عكرمة: لن تقبل، بالنون، توبتهم، بالنصب، والضالون المخطئون طريق الحق والنجاة في الآخرة، أو: الها لكون، من: ضل اللبن في الماء إذا صار هالكا. والواو في: وأولئك، للعطف إما على خبر إن، فتكون الجملة في موضع رفع، وإما على الجملة من: إن ومطلوبيها، فلا يكون لها موضع من الأعراب.
وذكر الراغب قولا: إن الواو في: وأولئك، واو الحال، والمعنى: لن تقبل توبتهم من الذنوب في حال أنهم ضالون، فالتوبة والضلال متنافيان لا يجتمعان. انتهى هذا القول. وينبوعن هذا المعنى هذا التركيب، إذ لو أريد هذا المعنى لم يؤت باسم الإشارة، ويجوز في: هم، الفصل، والابتداء، والبدل.
* (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الارض ذهبا) * قرأ عكرمة: فلن نقبل، بالنون و: ملء، بالنصب. وقرئ: فلن يقبل بالياء مبنيا للفاعل، أي فلن يقبل الله. و: ملء، بالنصب. وقرأ أبو جعفر، وأبو السمال: مل الأرض، يدون همز. ورويت عن نافع، ووجهه أنه نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبل، وهو اللام، وحذفت الهمزة، وهو قياس في كل ما كان نحو هذا، وأتى بلفظ: أحدهم، ولم يأت بلفظ: منهم، لأن ذلك أبلغ وأنص في المقصود، إذ كان: منهم، يحتمل أن يكون يفيد الجميع.
وانتصاب: ذهبا، على التمييز، وفي ناصب التمييز خلاف، وسماه الفراء: تفسيرا، لأن المقدار معلوم، والمقدر به مجمل. وقال الكسائي: نصب على إضمار: من، أي: من ذهب، كقوله: * (أو عدل ذالك صياما) * أي: من صيام. وقرأ الأعمش: ذهب، بالرفع. قال الزمخشري: رد على: ملء، كما يقال عندي عشرون نفسا رجال. انتهى. ويعني بالرد: البدل، ويكون من بدل النكرة من المعرفة، لأن: ملء الأرض، معرفة ولذلك ضبط الحذاق قوله: لك الحمد ملء السماوات والأرض بالرفع على بالصفة للحمد، واستعفوا نصبه على الحال لكونه معرفة.
* (ولو افتدى به) * قرأ ابن أبي عبلة: لو افتدى به، دون واو، و: لو، هنا هي بمعنى: إن، الشرطية لا: لو، التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره، لأن: لو، هنا معلقة بالمستقبل، وهو: فلن يقبل، وتلك معلقة بالماضي. فأما قراءة ابن أبي عبلة فإنه جعل الافتداء شرطا في عدم القبول فلم يتعمم نفي وجود القبول، وأما قراءة الجمهور بالواو، فقيل: الواو زائدة، وهو ضعيف، ويكون المعنى إذ ذاك معنى قراءة ابن أبي عبلة. وقيل: ليست بزائدة.
قال الزمخشري: فإن قلت: كيف موقع قوله * (لو * افتدى به) *؟ قلت: هو كلام محمول على المعنى، كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. انتهى. وهذا المعنى ينبو عنه هذا التركيب ولا يحتمله، والذي يقتضيه هذا التركيب، وينبغي أن يحمل عليه، أن الله تعالى أخبر أن من مات كافرا لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها، ولو في حالة افتداء به من العذاب، لأن حالة الافتداء هي حال لا يمتن فيها المفتدي على المفتدي منه، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدي، وقد قررنا في نحو هذا التركيب أن: لو، تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء، وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها، كقوله: (أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردوا السائل ولو بظلف محرق) كأن هذه الأشياء مما كان لا ينبغي أن يؤتى بها، لأن كون السائل على فرس يشعر بغناه فلا يناسب أن يقبل منه ملء الأرض ذهبا، لكنه لا يقبل. ونظيره قوله تعالى: * (وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) * لأنهم نفوا أن يصدقهم على كل حال، حتى في حالة صدقهم، وهي الحالة التي ينبغي أن يصدقوا فيها. فلفظ: ولو، هنا لتعميم النفي والتأكيد له. وقد ذكرنا فائدة مجيئها.
وذهب الزجاج إلى أن المعنى: لن يقبل من أحدهم إنفاقه وتقرباته في الدنيا، ولو أنفق ملء الأرض ذهبا، ولو افتدى أيضا به في الآخرة لم يقبل منه. قال: فأعلم الله أنه لا يثيبهم على أعمالهم من الخير، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب. قال ابن عطية: وهذا قول