وبينوا) *.
* (فإن الله غفور رحيم) * غفور أي لكفرهم، رحيم لقبول توبتهم، وهما صيغتان مبالغة دالتان على سعة رحمته.
* (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون) * نزلت في اليهود، كفروا بعيسى وبالإنجيل بعد إيمانهم بأنبيائهم، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم) بعد إيمانهم بنعته، قاله قتادة، والحسن وقيل: في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم) بعد إيمانهم بصفاته، وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم) من الافتراء والبهت والسعي على الاسلام، قاله أبو العالية. أو: معنى: ثم ازدادوا كفرا، تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل فيه اليهود والمرتدون، قاله مجاهد، وقال نحوه السدي وقيل: نزلت فيمن مات على الكفر من أصحاب الحارث بن سويد، فإنهم قالوا: نقيم ببكة ونتربص بمحمد صلى الله عليه وسلم) ريب المنون، قاله الكلبي.
ويفسر بهذه الأقوال معنى ازدياد الكفر، وهو بحسب متعلقاته، إذ الإيمان والكفر في التحقيق لا يزدادان ولا ينقصان، وإنما تحصل الزيادة والنقصان للمتعلقات، فينسب ذلك إليهما على سبيل المجاز. وازدادوا افتعلوا من الزيادة، وانتصاب: كفرا، على التمييز المنقول من الفاعل، المعني: ثم ازداد كفرهم، والدال الأولى بدل من تاء الافتعال.
ويحتمل قوله * (لن تقبل توبتهم) * وجهين:.
أحدهما: أنه تكون منهم توبة ولا تقبل، وقد علم أن توبة كل كافر تقبل سواء كفر بعد إيمان وازداد كفرا، أم كان كافرا أول مرة. فاجتيج في ذلك إلى تخصيص، فقال الحسن، وقتادة، ومجاهد، والسدي: نفي توبتهم مختص بالحشرجة والغرغرة والمعاينة قال النحاس: وهذا قول حسن، كقوله: * (وليست التوبة للذين يعملون السيئات) * الآية. وقال أبو العالية: لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم). وقال ابن عباس: لن تقبل توبتهم لأنها توبة غير خالصة، إذ هم مرتدون، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم وفي ضمائرهم الكفر وقال مجاهد: لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر وقيل: لن تقبل توبتهم التي تابوها قبل أن كفروا، لأن الكفر قد أحبطها. وقيل: لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر، وإنما تقبل إذا تابوا إلى الاسلام. وفاصل هذا التخصيص أنه تخصيص بالزمان، أو يوصف في التوبة.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى: لا توبة لهم فتقبل، فنفى القبول، والمراد نفي التوبة فيكون من باب قوله.
على لا حب لا يهتدي لمناره أي: لا منار له فيهتدي به، ويكون ذلك في قوم بأعيانهم، حتم الله عليهم بالكفر أي: ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر. وقد أشار إلى هذا المعنى الزمخشري، وابن عطية.
ولم تدخل: الفاء، في: لن تقبل، هنا، ودخلت في: فلن تقبل، لأن الفاء مؤذنة بالاستحقاق بالوصف السابق، وهناك قال: وماتوا وهم كفار وهنا لم يصرح بهذا القيد.
وقال الزمخشري: فإن قلت فحين كان معنى: * (لن تقبل توبتهم) * بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر مسببا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب، وركوب الرين، وجره إلى الموت على الكفر؟.
قلت لأنه: كم من مرتد ازداد الكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر؟.
فإن قلت: فأي فائدة في هذه الكناية: أعني: إن كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة؟.
قلت الفائدة فيها جليلة، وهي التغليظ في شأن أولئك الفريق من الكفار، وإبراز حالهم