ما ينعقد عليه القلب والضمير، ولذلك قال ابن عباس: التقية المشار إليها مداراة ظاهرة وقال: يكون مع الكفار أو بين أظهرهم، فيتقيهم بلسانه، ولا مودة لهم في قلبه.
وقال قتادة: إذا كان الكفار غالبين، أو يكون المؤمنون في قوم كفار فيخافونهم، فلهم أن يحالفوهم ويداروهم دفعا للشر وقلبهم مطمئن بالإيمان.
وقال ابن مسعود: خالطوا الناس وزايلوهم وعاملوهم بما يشتهون، ودينكم فلا تثلموه وقال صعصعة بن صوحان لأسامة بن زيد: خالص المؤمن وخالق الكافر، إن الكافر يرضى منك بالخلق الحسن.
وقال الصادق: التقية واجبة، إني لأسمع الرجل في المسجد يشتمني فاستتر منه بالسارية لئلا يراني وقال: الرياء مع المؤمن شرك، ومع المنافق عبادة.
وقال معاذ بن جبل، ومجاهد: كانت التقية في جدة الإسلام قبل استحكام الدين وقوة المسلمين، فأما اليوم فقد أعز الله المسلمين أن يتقوهم بأن يتقوا من عدوهم.
وقال الحسن: التقية جائزة إلى يوم القيامة، ولا تقية في القتل وقال مجاهد: إلا أن تتقوا قطيعة الرحم فخالطوهم في الدنيا.
وفي قوله * (إلا أن تتقوا) * التفات، لأنه خرج من الغيبة إلى الخطاب، ولو جاء على نظم الأول لكان: إلا أن يتقوا، بالياء المعجمة من أسفل، وهذا النوع في غاية الفصاحة، لأنه لما كان المؤمنون نهوا عن فعل ما لا يجوز، جعل ذلك في اسم غائب، فلم يواجهوا بالنهي، ولما وقعت المسامحة والإذن في بعض ذلك ووجهوا بذلك إيذانا بلطف الله بهم، وتشريفا بخطابه إياهم.
وقرأ الجمهور: تقاة، وأصله: وقية، فأبدلت الواو تاء، كما أبدلوها في: تجاه وتكاه، وانقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وهو مصدر على فعلة: كالتؤدة والتخمة، والمصدر على فعل أو فعلة جاء قليلا. وجاء مصدرا على غير الصدر، إذ لو جاء على المقيس لكان: اتقاء ونظير وقوله تعالى: * (وتبتل إليه تبتيلا) * وقول الشاعر:
* ولاح بجانب الجبلين منه * ركام يحفر الأرض احتفارا * والمعنى: إلا أن تخافوا منهم خوفا. وأمال الكسائي: تقاة، وحق تقاته، ووافقه حمزة هنا وقرأ ورش بين اللفظين، وفتح الباقون.
وقال الزمخشري: إلا أن تخافوا من جهتهم أمرا يجب اتقاؤه وقرئ: تقية. وقيل: للمتقي تقاة وتقية، كقولهم: ضرب الأمير لمضروبه. انتهى فجعل: تقاة، مصدرا في موضع اسم المفعول، فانتصابه على أنه مفعول به لا على أنه مصدر، ولذلك قدره إلا أن تخافوا أمرا.
وقال أبو علي: يجوز أن يكون: تقاة، مثل: رماة، حالا من: تتقوا، وهو جمع فاعل، وإن كان لم يستعمل منه فاعل، ويجوز أن يكون جمع تقي. انتهى كلامه.
وتكون الحال مؤكدة لأنه قد فهم معناها من قوله * (إلا أن تتقوا منهم) * وتجويز كونه جمعا ضعيف جدا، ولو كان جمع: تقي، لكان أتقياء، كغني وأغنياء، وقولهم: كمي وكماة، شاذ فلا يخرج عليه، والذي يدل على تحقيق المصدرية فيه قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * المعنى حق اتقائه،