تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٩
* (وقل للذين أوتوا الكتاب) * هم: اليهود والنصارى باتفاق * (والاميين) * هم مشركو العرب، ودخل في ذلك كل من لا كتاب له * (ءأسلمتم) * تقدير في ضمنه الأمر. وقال الزجاج: تهدد. قال ابن عطية: وهذا أحسن، لأن المعنى: أأسلمتم له أم لا؟ وقال الزمخشري: يعني أنه قد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام ويقتضي حصوله لا محالة، فهل أسلمتم أم أنتم على كفركم؟ وهذا كقولكم لمن لخصت له المسألة، ولم تبق من طرق البيان والكشف طريقا إلا سلكته، هل فهمتها لا أم لك؟ ومنه قوله عز وعلا: * (فهل أنتم منتهون) * بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر، وفي هذا الاستفهام استقصار وتغيير بالمعاندة وقلة الإنصاف، لأن المنصف إذا تجلت له الحجة ولم يتوقف إذعانه للحق، وللمعاند بعد تجلي الحجة ما يضرب أسدادا بينه وبين الإذعان، وكذلك في: هل فهمتها؟ توبيخ بالبلادة وكله القريحة، وفي * (فهل أنتم منتهون) * بالتقاعد عن الانتهاء والحرص الشديد على تعاطي المنهي عنه. انتهى كلامه. وهو حسن، وأكثره من باب الخطابة.
* (فإن أسلموا فقد اهتدوا) * أي إن دخلوا في الإسلام فقد حصلت لهم الهداية، وعبر بصيغة الماضي المصحوب بقد الدالة على التحقيق مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى، ومن الظلمة إلى النور. انتهى.
* (وإن تولوا فإنما عليك البلاغ) * أي: هم لا يضرونك بتوليهم، وما عليك أنت إلا تنبيههم بما تبلغه إليهم من طلب إسلامهم وانتظامهم في عبادة الله وحده، وقيل: إنها آية مواعدة منسوخة بآية السيف، ولا نحتاج إلى معرفة تاريخ النزول، وإذا نظرت إلى سبب نزول هذه الآيات، وهو وفود وفد نجران، فيكون المعنى: فإنما عليك البلاغ بقتال وغيره.
* (والله بصير بالعباد) *. وفيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإسلام، ووعد بالخير لمن أسلم، إذ معناه: إن الله مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته.
* (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين) * الآية هي في اليهود والنصارى، قاله محمد بن جعفر بن الزبير وغيره، وصف من تولى عن الإسلام وكفر بثلاث صفات:
إحداهما: كفره بآيات الله وهم مقرون بالصانع، جعل كفرهم ببعض مثل كفرهم بالجميع، أو يجعل: بآيات الله، مخصوصا بما يسبق إليه الفهم من القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم).
الثانية: قتلهم الأنبياء، وقد تقدمت كيفية قتلهم في البقرة في قوله * (ويقتلون النبيين بغير الحق) * والألف واللام في: النبيين، للعهد.
والثالثة: قتل من أمر بالعدل.
فهذه ثلاثة أوصاف بدىء فيها بالأعظم فالأعظم، وبما هو سبب للآخر: فأولها: الكفر بآيات الله، وهو أقوى الأسباب في عدم المبالاة بما يقع من الأفعال القبيحة، وثانيها: قتل من أظهر آيات الله واستدل بها. والثالث: قتل أتباعهم ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
وهذه الآية جاءت وعيدا لمن كان في زمانه صلى الله عليه وسلم)، ولذلك جاءت الصلة بالمستقبل، ودخلت الفاء في خبر: أن، لأن الموصول ضمن معنى اسم الشرط، ولما كانوا على طريقة أسلافهم في ذلك، نسب إليهم ذلك، ولأنهم أرادوا قتله صلى الله عليه وسلم)، فقتل أتباعه
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»