تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٤
شهدوا به حق فلا إله إلا هو حق، فحذف إحدى المقدمتين للدلالة عليها، وهذا التقدير كله لا يساعد عليه اللفظ.
وقال الراغب: إنما كرر * (لا إلاه إلا هو) * لأن صفات التنزيه أشرف من صفات التمجيد لأن أكثرها مشارك في ألفاظها العبيد، فيصح وصفهم بها، وكذلك وردت ألفاظ التنزيه في حقه أكثر، وأبلغ ما وصف به من التنزيه: لا إله إلا الله، فتكريره هنا لأمرين: أحدهما: لكون الثاني قطعا للحكم، كقولك: أشهد أن زيدا خارج، وهو خارج. والثاني: لئلا يسبق بذكر العزيز الحكيم إلى قلب السامع تشبيه، إذ قد يوصف بهما المخلوق انتهى.
وقال الزمخشري: صفتان مقررتان لما وصف به ذاته من الوحدانية والعدل، يعني أنه العزيز الذي لا يغالبه إله آخر، الحكيم الذي لا يعدل عن العدل في أفعاله. انتهى. وهو تحويم على مذهب المعتزلة.
وارتفع: العزيز، على أنه خبر مبتدأ محذوف أي: والعزيز، على الاستئناف قيل: وليس بوصف، لأن الضمير لا يوصف، وليس هذا بالجمع عليه، بل ذهب الكسائي إلى أن ضمير الغائب كهذا يوصف.
وجوزوا في إعراب: العزيز، أن يكون بدلا من: هو. وروي في حديث عن الأعمش أنه قام يتهجد، فقرأ هذه الآية، ثم قال: وأنا أشهد بما شهد الله به، وأستودع الله هذه الشهادة وهي لي عند الله وديعة، إن الدين عند الله الإسلام قالها مرارا، فسئل، فقال: حدثني أبو وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (يجاء بصاحبها يوم القيامة فيقول الله: عبدي عهد إلي وأنا أحق من وفى، أدخلوا عبدي الجنة).
وقال أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي: العزيز، إشارة إلى كمال القدرة، و: الحكيم، إشار، إلى كمال العلم، وهما الصفتان اللتان يمتنع حصول الإلهية إلا معهما، لأن كونه * (قائما بالقسط) * لا يتم إلا إذا كان عالما بمقادير الحاجات، فكان قادرا على تحصيل المهمات، وقدم العزيز في الذكر لأن العلم بكونه تعالى قادرا متقدم على العلم بكونه عالما في طريق المعرفة الاستدلالية، وهذا الخطاب مع المستدل. انتهى كلامه.
(* (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جآءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب * فإن حآجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والا ميين ءأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد * إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم * أولائك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والا خرة وما لهم من ناصرين) *)) ) * * (إن الدين عند الله الإسلام) * أي الملة والشرع، والمعنى: إن الدين المقبول أو النافع أو المقرر.
قرأ الجمهور: إن، بكسر الهمزة وقرأ ابن عباس، والكسائي، ومحمد بن عيسى الأصبهاني: أن، بالفتح، وتقدمت قراءة ابن عباس: شهد الله إنه، بكسر الهمزة، فأما قراءة الجمهور فعلى الاستئناف، وهي مؤكدة للجملة الأولى.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما فائدة هذا التوكيد؟
قلت: فائدته أن قوله: لا إله إلا هو توحيد، وقوله: قائما بالقسط، تعديل، فإذا أردفه قوله: إن الدين عند الله الإسلام، فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس عنده بشيء من الدين، وفيه أن من ذهب إلى تشبيه، أو ما يؤدي إليه، كإجازة الرؤية، أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور، لم يكن على دينا لله الذي هو الإسلام، وهذا بين جلي كما ترى. انتهى كلامه. وهو على طريقة المعتزلة من إنكار الرؤية، وقولهم: إن أفعال العبد مخلوقة له لا لله تعالى.
وأما قراءة لكسائي ومن وافقه في نصب: أنه، وأن، فقال أبو علي الفارسي: إن شئت جعلته من بدل
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»