تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٢ - الصفحة ٣٩٢
وفيه نظر، لأن مثليته ليست صحيحة الشبه بالمعنى الذي نحا إليه، وما قاله في الآية محتمل، ولكن الآبرع في نظم الآية أن يكون * (ألم) * لا يضم ما بعدها إلى نفسها في المعنى، وأن يكون * (الله لا إلاه إلا هو الحى القيوم) * كلاما مبتدأ جزما، جملة رادة على نصارى نجران الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فحاجوه في عيسى بن مريم، وقالوا: إنه الله. إنتهى كلامه.
قال ابن كيسان: موضع: ألم، نصب، والتقدير: قرؤوا ألم، و: عليكم ألم. ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى: هذا ألم، و: ذلك ألم.
وتقدم من قول الجرجاني أن يكون مبتدأ، والخبر محذوف، أي: هذه الحروف كتابك.
وقرأ عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، وعلقمة بن قيس: القيام. وقال خارجه في مصحف عبد الله: القيم، وروي هذا أيضا عن علقمة.
* (الله) * رفع على الابتداء، وخبره: * (لا إلاه إلا هو) * و * (نزل عليك الكتاب) * خبر بعد خبر، ويحتمل أن يكون: نزل، هو الخبر، و: لا إله إلا هو، جملة اعترض.
وتقدم في آية الكرسي استقصاء إعراب: * (لا إلاه إلا هو الحى القيوم) * فأغنى عن إعادته هنا.
وقال الرازي: مطلع هذه السورة عجيب، لأنهم لما نازعوا كأنه قيل: إما أن تنازعوا في معرفة الله، أو في النبوة، فإن كان الأول فهو باطل، لأن الأدلة العقلية دلت على أنه: حي قيوم، والحي القيوم يستحيل أن يكون له ولد، وإن كان في الثاني فهو باطل، لأن الطريق الذي عرفتم أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل، هو يعينه قائم هنا، وذلك هو المعجزة.
* (نزل عليك الكتاب بالحق) * الكتاب هنا: القرآن، باتفاق المفسرين، وتكرر كثيرا، والمراد القرآن، فصار علما. بالغلبة. وقرأ الجمهور: نزل، مشددا و: الكتاب، بالنصب، وقرأ النخعي، والأعمش، وابن أبي عبلة: نزل، مخففا، و: الكتاب، بالرفع، وفي هذه القراءة تحتمل الآية وجهين: أحدهما: أن تكون منقطعة. والثاني: أن تكون متصلة بما قبلها، أي: نزل الكتاب عليك من عنده، وأتى هنا بذكر المنزل عليه، وهو قوله: عليك، ولم يأت بذكر المنزل عليه التوراة، ولا المنزل عليه الإنجيل، تخصيصا له وتشريفا بالذكر، وجاء بذكر الخطاب لما في الخطاب من المؤانسة، وأتى بلفظة: على، لما فيها من الاستعلاء. كأن الكتاب تجلله وتغشاه / صلى الله عليه وسلم).
ومعنى: بالحق: بالعدل، قاله ابن عباس، وفيه وجهان: أحدهما: العدل فيما استحقه عليك من حمل أثقال النبوة. الثاني: بالعدل فيما اختصك به من شرف النبوة.
وقيل: بالصدق فيما اختلف فيه، قاله محمد بن جرير وقيل: بالصدق فيما تضمنه من الأخبار عن القرون الخالية وقيل: بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على الطاعة، ومن الوعيد بالعقاب على المعصية.
وقيل: معنى بالحق: بالحجج والبراهين القاطعة.
والباء: تحتمل السببية أي: بسبب إثبات الحق، وتحتمل الحال، أي: محقا نحو: خرج زيد بسلاحه، أي متسلحا.
* (مصدقا لما بين يديه) * أي: من كتب الأنبياء، وتصديقه إياها أنها أخبرت بمجيئه، ووقوع المخبر به يجعل المخبر صادقا، وهو يدل على صحة القرآن، لأنه لو كان من عند غير الله لم يوافقها، قاله أبو مسلم وقيل: المراد منه أنه لم يبعث نبيا قط، إلا بالدعاء إلى توحيده، والإيمان، وتنزيهه عما لا يليق به، والأمر بالعدل والإحسان، والشرائع التي هي صلاح أهل كل زمان. فالقرآن مصدق لتلك الكتب في كل ذلك، والقرآن، وإن كان ناسخا لشرائع أكثر الكتب، فهي مبشرة بالقرآن وبالرسول، ودالة على أن أحكامها تثبت إلى حين بعثة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم)، وأنها تصير منسوخة عند نزول القرآن. فقد وافقت القرآن، وكان مصدقا لها، ن الدلائل الدالة على ثبوت الإلهية لا تختلف.
وانتصاب: مصدقا، على الحال من الكتاب، وهي حال مؤكدة، وهي لازمة، لأنه لا يمكن أن يكون غير مصدق لما بين يديه، فهو كما قال
(٣٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 ... » »»